جمال عبدالمعبود يكتب: غزة ليست غرناطة

عندما اصدر ادوارد الاول ملك إنجلترا مرسومه لإجلاء اليهود عام 1290 وأمرهم بالسير على أقدامهم للساحل الجنوبي لمغادرة الجزيرة البريطانية  وللابد, ولأكثر من أربع قرون لم تقم لهم قائمة في معظم أوروبا الغربية فتوجهوا إلي الأندلس المسلمة حاضرة أوروبا وقتئذ وتوطنوا حول قرطبة عاصمة الأندلس السياسية والثقافية والتي كانت قبلة طلاب العلم من أنحاء أوروبا. وكان تعلم اللغة العربية جزء من برنامج تثقيف الملوك مثل هنري التاني الذي هدد البابا الكسندر الثاني بإعتناق الإسلام إبان صراعه مع مندوب الفاتيكان في إنجلترا توماس بيكيت أسقف كابتزي.

وهكذا كانت الأندلس مقصد كل المضطهدين والباحثين عن الحرية الدينية, فكان التسامح الإسلامي هو الحل وهو الملاذ الأمن. بل سمح لليهود المهاجرين بالحصول على الوظائف العليا في الدولة الإسلامية والإقتراب من الخلفاء والحكام بالعمل في قصورهم كأطباء أو وزراء أوكتبة بالرغم من توافر الكفاءات الإسلامية حينئذ ولكنها الحرية بكل معانيها ومبدأ تكافئ الفرص الذي أثبتته الخلافة الإسلامية أحقاب طويلة قبل إختراع ميثاق حقوق الإنسان بعد إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945 والني أصبحت الولايات المتحدة مسيطرة عليها. فقد عرف المسلمون حقوق الإنسان مغلفة بالرحمة, فلا عجب أن يهاجر اليهود المطرودين من انجلترا إلي الأندلس المسلمة ويحققوا نجاحات علمية وثقافية ومادية كثيرة في ظل الإسلام.

وعندما ضعفت الأندلس أستولت الملكة إليزابيث وألفونسو علي الممالك الإسلامية فيما عرف بملوك الطوائف,  ورغم وعودهم بالحرية الدينية إلا أن المسلمين واليهود واجهوا الاضطهاد والتعذيب فيما عرف بمحاكم التفتيش فغادر معظم المسلمين أسبانيا إلى المغرب ثم ذابوا في العالم الإسلامي. ولم ينس المسلمين أهل ذمتهم من اليهود فصاحبوهم إلى المغرب العربي ووجد بعضهم طريقه إلى القاهرة مثل موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف الذي ولد في قرطبة وتخرج من جامعة القرويين في فاس ثم انطلق إلى القاهرة ليعمل في بلاط صلاح الدين الأيوبي الذي لأجله سمح صلاح الدين بدخول اليهود إلى القدس كرعايا للدولة الأيوبية. وهكذا قام المسلمين بحماية اليهود من الإبادة في أوروبا وساعدوهم على العمل وتكوين ثروات طائلة بين جنبات العالم الإسلامي, ولم يعرف عن أي دولة مسلمة أو حاكم مسلم إصدار مرسوم بالنفي أوالتشريد لليهود أو محاكمتهم دينيا كما حدث في محاكم التفتيش الإسبانية لليهود السفارديم.

نعم كانت هناك حوادث فردية ولكن لم يكن هناك سياسة عامة باضطهاد اليهود, وحتي وجود حارة لليهود كان إختراعا إسلاميا ظهر أولا بالمغرب عام 1438 بغرض حماية اليهود ثم تحول إلي ثقافة يهودية تم تكرارها في جميع العواصم العالمية بدافع إظهار القوة أو العصبية. وكان الشرق الأوسط خاصة والعالم الإسلامي وعاء حفظ اليهود حتي تحركت أطماع سياسية فنشأت الصهيونية التي فتشت في التاريخ الإنساني عن تاريخ يهودي لم يعد هناك ناهيك عن كونه مشكوك فيه بل إن معظمه مؤسس على اساطير وعهود إلهية غامضة موقعة من جانب واحد دون تحديد زمني أو جغرافي فنشأت إسرائيل بلا حدود معترف بها كأي دولة في الأمم المتحدة. ولأن اليهود لأسباب سياسية وثقافية في أغلبها كانوا عرضة لاضطهاد أوروبى ليس أقله مرسوم الملك إدوارد الأول بتهجيرهم من الجزيرة البريطانية, مرورا بسياسة التهجير القسري والدوري ليهود روسيا إنتهاءً بهولوكوست هتلر والإبادة الجماعية لهم, وهو ما طبقوه على سكان فلسطين منذ أن وضعوا أقدامهم على أرضها بهجرة شرعية قليلة وغير شرعية غالبا تحت دخان من وعد بلفور الذي لم يكن يملك فلسطين لكنه أعطاها لمن لا يستحق من الصهاينة الذي عانوا من التشرد والتشرذم في أوروبا وضجر بهم الأوروبيين وأردوا التخلص منهم و للأبد فكانت إسرائيل على الأرض الفلسطينية وفي غفلة من المسلمين الذين لم يفطنوا للمكر الصهيوني والعالمي.

وعندما تري غزة الأن وإجبار أهلها على النزوح لا تستطيع إلا أن تتذكر مغادرة اليهود مع المسلمين من غرناطة. وشتان بين حسن معاملة المسلمين وبين تدمير اليهود للمستشفيات وقتل المدنيين دون هوادة وكأننا لم نهبهم الحياة بعد سقوط الأندلس فقتلونا في فلسطين. مع العلم أن شدة الألم على الفلسطينيين هي البشري في اقتراب الفرج وسيطرح حل الدولتين مرة أخرى خلال الخمس سنوات القادمة لأن إسرائيل قد تملك القوة الغاشمة لكنها لا تملك الأمن والأمان كما أن أهل غزة ليسوا دخلاء على ارضهم وليسوا من اولاد المولدات من ملوك الطوائف وليس هناك ابوعبدالله الاحمر اخر ملوك غرناطة الذى سلمها لجنود قشتالة ثم بكى فصرخت فيه امه لا تبك كاالنساء على مُلك لم تحمه كا الرجال بل هناك رجال وشعب صامد هم ورثة جبارين يهود التيه فى عهد سيدنا موسى وبالقطع غزة ليست غرناطة.

م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى