محمد مطر يكتب: الأميون الجدد
إنها سطور أكتبها والقلب يعتصر ألمًا على ما وصل إليه حال التعليم الذي أصبح سلعة، ولم يعد خدمة، ولم تعد تجدي نفعًا أي من محاولات الإصلاح المستمرة، وليست هذه نظرة تشاؤمية، بقدر ما هي واقعية، إذ يوجد في هذا العالم معلمون مزيفون، وهم أكثر عددًا من النجوم في هذا الكون، فإياك ثم إياك أن تخلط بين الأشخاص الأنانيين، الذين يعملون بدافع السلطة، ويلهثون خلفها، ويتنازلون عن كل شيء في سبيل الفوز بها، وبين المعلمين الحقيقين.
فالمعلم الصادق لا يوجه انتباهك إليه، ولا يتوقع طاعة مطلقة له، أو إعجابًا تامًا منك، بل يُساعدك على أن تُقدر نفسك الداخلية وتحترمها، إن المعلمين الحقيقين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم.
إنه وبكل أسف، قد أصيب الجسد التعليمي العام بالفساد، وفقد المعلمون أنفسهم تدريجيًا اهتمامهم بالعملية التربوية، ومن ثم العملية التعليمية، على حد سواء، واقتصرت هموم القائمين على العملية التربوية والتعليمية، على فردياتهم الصغيرة.
إن المعلم الحقيقي ثوري، ويشمر عن أكمامه، ويمد كلتا يديه لطلبته، حتى يساعدهم جميعًا إلى تسلق سلم المعرفة، لأنه يدرك تمام الإدراك أنه الفائز دائمًا، مهما تجاوزه طلبته، فهو يعي جيدًا أن ثمرة جهده الحقيقي، إنما هي تحويل طلبته إلى امتداد له، فيعيش هذا المعلم إلى الأبد.
لقد زادت حدة الهوس بالحصول على الشهادات العلمية العالية، إما طمعًا في الوجاهة الاجتماعية، وإما طمعًا في الحصول على وظيفة، أو لادعاء الحكمة، وليس الغرض من العلم، اكتساب المال والجاه، بل الغرض الحقيقي من العلم، وهو الدور الحقيقي المنوط بالمعلم الحقيقي وليس الزائف، هو الاطلاع على حقائق الأمور وتهذيب الأخلاق.
فهل ما نراه في زماننا هذا له علاقة من قريب أو بعيد بالدور الحقيقي للعلم، أو يقوم به معلم هذا الزمان!!.
إن من يتخرجون من التعليم على مستوياته كافة، يبدأون حياتهم بمهارات القراءة والكتابة الأولية فقط، ويمشون واثقين الخطى على اعتقاد أنهم يملكون من المهارات ما يكفيهم، ثم يصطدمون بالواقع الذي يخبرهم، بأنهم مجرد أميون جدد، وهم أكثر من الأميين أمية بحتة، ومن ثم يعيشون راضين، أو غير راضين، في أمان الوعي المغيب، ولا يعلمون أنهم محكوم عليهم بحكم مؤبد، للعيش مدى الحياة، في أشكال مختلفة من تخمة الجهل.
وإلى لقاء إن قدر الله لنا البقاء…