جمال عبدالمعبود يكتب: غلاسكو
عندما أستبد بي الشوق لآخر العنقود ابنتي قررت السفر لها من لندن حيث اقيم إلی غلاسكو حيث جامعتها ولضيق ذات الوقت فقد أخذت أول قطار يقوم في الصباح مع العودة في آخر قطار لنفس اليوم ولأن المدة التي يقطعها القطار هي خمس ساعات فقد كان هناك ساعات محدودة لتوصيل الطبيخ الذي أعدته لها زوجتي المصون مع بعض الطعام الجاف من زيت وسكر .. إلخ.
ولأنه قلب الأم فقد كان علّي أن أحمل نصف طن بالتمام والكمال حتی لا أُتهم بالتقصير أضف إلی ذلك بعض الكتب التي تركتها صغيرتى في منزلنا ولم تتوقع ان تحتاجهم ولكن هي ضريبة الحياة وثمن الأبوة، ولا تختلف هذه العاطفة مهما بعدت الاجيال٬ ولأن إبنتي ولدت في الغرب فهي تعتمد المناقشة والحجة وخاصة مع الوالد لأنه حرماً آمنا ولن يضيرها شيء أن تحاول إثبات ذاتها بالمخالفة لكل فكرة يتبناها الوالد مع قناعة نهائية بأن أبوها لا يزال يعرف أكثر علی الأقل حتی الآن، ومع ذلك ورغم المناقشة الحامية يبقی شيئاً خالداً هو الحب الأبوي. وكم أسعدني أن أعرف ان أصدقائها يتهمونها بأنها مثل والدها رغم عدم مقابلتهم لي
لكن بين السطور جعلني أفهم مدی تعلقها بي رغم الاختلافات المعلنة، لكنه صراع الأجيال والاعتقاد السائد عند كل جيل أنه بالطبع الأكثر تقدماً وأنهم ولدوا في عصور تكنولوجيا اللمس في التليفون والكمبيوتر والتلفزيون وتقدم وسائل الاتصال التي تجعل العالم بين يديك، فطَويت المسافات وبعدت المعارف بين جيل الاباء وجيل الابناء، ولكن بقت العاطفة الانسانية غير قابلة للزوال وعصية علی الانقراض لأن عواطف ذو الارحام تنبع من الرحمة التي مصدرها الرحمن الرحيم، ولأنه حي قيوم خالداً فستبقی الرحمة بين البشر،
وسيدوم صراع الاجيال وسيظل الحب والرحمة دليلاً لا يقبل الشك علی وجود الله الخالق الباري المصور وستموت نظريات المادة والهطل العلمي الذي أصاب المجتمع البشري لقرنين من الزمان هما الثامن عشر والتاسع عشر والتي أفرزت علی الجانب الآخر التعصب الديني والعرقي والسياسي بداية من القرن العشرين حتی الان والتي بسببها عانی العالم من ويلات الحروب والقتل المنظم والذي تحول إلی حرب باردة ثم ثاب العالم إلی رشده فظهر القتل الهمجي الذي أصبح إرهاباً عشوائيا فلا تعرف مَنْ ضد مَن،ْ
وتتغير التحالفات بسرعة تغيير ملابسنا ويصل العالم إلی حافة الجنون وستسطو جماعات إرهابية حديثة علی تاريخ المغول الدموي وتقلده وتحذو حذوه، فتبث الرعب بين أبناء دينها وتترك العدو الاستراتيجي للأمة بحجة عدم وجود أمر بقتاله، ولكن لا بأس من ذبح أبناء جلدهم تحت مسميات شرعية ما أنزل الله بها سلطان ولا تصمد لأي منطق أو تمحيص،
ولكنه العمی الفكري الذي أصاب أمة الإسلام، فأصبح الفقه يدور حول حكم قتل الذياب في الكعبة، والعلاج بشرب البول، وكيفية التوسع في فلسفة التكفير فلا غرو ان تظهر داعش وينُصب أشقی صبيان الأمة خليفةً للمسلمين، ويصدر إنذارات جوفاء، ولكنها خطيرة لأنها تعتمد الارهاب كوسيلة لضرب الأمة الاسلامية، ولا مانع في تغيير الأسماء،
فتارة داعش وتارة أنصار الله وتارة نصرة الإسلام، وغالباً فكراً شاذاً عن كل تعاليم الإسلام الحنيف الذي ترك حساب الناس لمالك يوم الدين الذي أبلغ رسولنا الكريم بأنه ليس عليه حساب الناس ولا يجوز له السيطرة علی المسلمين. فأين نحن من تعاليم الرحمة والسماحة التي أتی بها الرسول، فهل يجوز للصبيان الاغرار ان يدعوا لأنفسهم ما لم يأخذ به الرسول صلی الله عليه وسلم.
فيا أبناء الأمة المحمدية الإسلام في خطر وحصاره بات قاب قوسين أو ادنی فهل من مجيب؟ويبقى فى القلب حب جلاسكو