إسلام محمد سيد أحمد يكتب ماهو تعريف الرهن الحيازي
ورد تعريف الرَّهْن الحيازي بالمادة 1096 من التقنين المدني: بأن” الرَّهْن الحيازي عقد به يلتزم شخص- ضمانا لدين عليه أو على غيره- أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء لحين استيفاء الدين, وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون.
يتضح من هذا النص أن الرَّهْن الحيازي- وفقا لما استقر عليه التقنين المدني الجديد- أن تسليم الشيء المرهون لم يُعد ركنا في العقد, بل صار مجرد التزام ينشأ عن العقد بعد تمامه في ذمة المدين, فأصبح الرَّهْن الحيازي عقدا رضائيا ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول المتطابقين دون الحاجة إلى التسليم, فالتسليم أصبح مجرد التزام, ولم يُعد ركنا كما كان عليه التقنين المدني القديم. حيث كان الرَّهْن عقدا عينيا, فلا يتم الرَّهْن إلا إذا وضع المدين الشيء المرهون في حيازة الدائن( أو في حيازة أجنبي يتفق عليه المتعاقدان)” “.
كما أن العين المرهونة قد تكون عقارا أو منقولا, وأن الحيازة ضرورية لنفاذ الرَّهْن في حق الغير, وأن الحبس ثابت للدائن المرتهن حتى يستوفي الدين, فكل هذه المعاني تبين أوجه الاختلاف بين الرَّهْن الرسمي والرَّهْن الحيازي, أما عن المعاني المشتركة بين الرَّهْنين, فهي ما يتعلق بترتيب حق عيني على الشيء المرهون يستوفي بمقتضاه الدائن الدين متقدما ومتتبعا ” “.
ويرى البعض” “, من أن التعريف الوارد جعل فرقا بين الرَّهْن الحيازي والرَّهْن الرسمي في الحيازة، وأنها التزام في الرَّهْن الحيازي, وفي الحبس، وأنه يبقى لحين استيفاء المرتهن رهن حيازة دينه, وفي أن الشيء المرهون يصح أن يكون في رهن الحيازة منقولا أو عقارا, وفيما عدا ذلك, من حيث التقدم والتتبع, حكم الرَّهْن الحيازي هو حكم الرَّهْن الرسمي.
فالواضح من التعريف للرهن الحيازي أن له من الخصائص التي تميزه سواء المتعلقة بالرَّهْن ذاته أو الحق العيني المترتب عليه, وسنبين تلك الخصائص لاحقا, وذلك بموضعه من البحث, وسنكتفي هنا بإيضاح ما وجه من انتقادات إلى تعريف الرَّهْن الحيازي وذلك على النحو الآتي:
ثانيا:الانتقادات الموجهة إلى تعريف الرَّهْن الحيازي:
فالمشرع تناول بهذا النص الرَّهْن بمعنى العقد, كما تناوله بمعنى الحق, وبين أن العقد هو مصدر الحق. لذا يرى بعض الشراح أنه بالنظر إلى العقد وجد أنه عقد رضائي, وهذا أول خلاف بين العقد المنشئ للرهن الحيازي والعقد المنشئ للرهن الرسمي, كما أن عقد الرَّهْن الحيازي ملزم للجانبين في حين أنه ملزم لجانب واحد في الرَّهْن الرسمي وهو الراهن” “.
وأخيرا فعقد الرَّهْن الحيازي عقد من عقود الضمان, أما الحق الذي ينشأ عن هذا العقد فهو حق عيني تبعي تماما كما رأينا بالنسبة لحق الرَّهْن الرسمي, غير أن الحقين يختلفان من حيث المال الذي يثقله كل منهما, فالرَّهْن الرسمي لا يرد إلا على مال عقاري, أما الرَّهْن الحيازي فهو يرد على العقار كما يرد على المنقول, وقد عبر المشرع عن الاثنين” بالشيء” وهوما يرتب أحكاما كثيرة تتفرع على هذا الاختلاف” “.
ويرى بعض الشراح” “, رغم اهتمام القوانين بمسألة القبض( انتقال حيازة الشيء المرهون إلى الدائن المرتهن) في صورة الرَّهْن الحيازي, مع اختلاف في تكييف طبيعة القبض، وهل هو ركن في الرَّهْن كما كان عليه الحال في التقنين المدني المصري السابق؟ أو جعله التزاما ناجما عن العقد كما هو الحال في التقنين المدني الحالي؟ فأيا ما كان الأمر فالعين المرهونة مقبوضة(أي انتقلت حيازتها إلى الدائن المرتهن), فكيف يتصور ما جاء في هذا التعريف من أحقية الدائن في تتبع العين المرهونة؟ وكيف تكون بيد الدائن مقبوضة قبضا مستمرا حتى يحل أجل الدين ثم نعطيه حق تتبع؟ تتبع ماذا؟! وفي مواجهة من؟ اللهم لو تصورنا تعديا من المدين استرد به العين المرهونة من يد الدائن، وهنا يُعد ضامنا لو أصاب العين المرهونة ضرر, بل يُعد في حكم الغاصب؛ لأن العين في حيازة الدائن, وعليه التزام بواجب المحافظة عليها, ويده عليها يد أمانة مالم يقصر, والتعدي هنا جاء من المدين الراهن. وبداهة لا يتصور أن يكون استرداد المدين الراهن للعين المرهونة بموافقة الدائن؛ لأن هذا يُعد تنازلا عن الرَّهْن وإسقاطا له, وبالتالى أين مكان التتبع؟ وعليه فهذا الأثر في التعريفات القانونية ترتب عليه خلط في مفهوم أنواع الرَّهْن.
كما يرى بعض الشراح” “, أن المشرع قد عرف عقد الرَّهْن الحيازي باعتباره مصدرا لحق الرَّهْن. وعبارة “الرَّهْن الحيازي” تطلق إما على العقد باعتباره مصدرا للحق, وإما على الحق العيني ذاته الذي ينشئه هذا العقد, في حين قد تضمن النص تعريفا لحق الرَّهْن الحيازي عن طريق بيان مضمونه, فهو على ما جاء في هذا النص “حق عيني يخول صاحبه حبس الشيء لحين استيفاء الدين, وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن الشيء في أي يد يكون” وهو مما يؤحذ عليه أن التعريف أشار إلى أن التقدم يكون على” ثمن الشيء”, مع أن التقدم لا يكون فقط على ثمن الشيء المرهون, بل يكون أيضا على أي مبلغ يحل محل العقار كالتعويض ومبلغ التأمين(مادة 1102 مدني).
ويرى بعض الشراح” “, أنه يؤخذ على هذا التعريف كما أُخذ على تعريف الرَّهْن الرسمي, ما جاء فيه من أن الدائن يتقدم في اقتضاء حقه من ” ثمن” الشيء, فكان الأولى أن يقول”من المقابل النقدي للشيء”, ذلك أن المادة 1102 مدني تنص على أن يسري الرَّهْن الحيازي حكم المادة 1049 مدني الخاصة بانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق عند الهلاك أو التلف.
المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة