الدكتور عادل اليماني يكتُب : كَمْ تَشْتَكِي !!
صَــغِــيـرٌ يَـطْـلُـبُ الْـكِـبَـرَا ،
وَشَـــيْــخٌ وَدَّ لَــوْ صَــغُــرَا
وَخَــالٍ يَــشْــتَــهِـي عَـمَـلًا ،
وَذُو عَـــمَــلٍ بِــهِ ضَــجِــرَا
وَرَبُّ الْــمَــالِ فِــي تَــعَـبٍ ،
وَفِــي تَـعَـبٍ مَـنِ افْـتَـقَـرَا
وَيَـشْـقَـى الْـمَـرْءُ مُـنْـهَـزِمًــا ،
وَلَا يَـــرْتَــاحُ مُــنْــتَــصِــرَا
فَــهَــلْ حَــارُوا مَـعَ الْأَقْـدَارِ ،
أَمْ هُـمْ حَـيَّـرُوا الْـقَـدَرَا؟
هكذا قالَ أديبُنا المبدعُ ، عباس محمود العقاد ..
لماذا يشكو الناسُ كثيراً ؟ قد يبدو سؤالاً غريباً وعجيباً ! لكنَّ الحقيقةَ أن الرضا جنةُ المؤمن ، والشكوي إنما تكونُ للهِ وحدَه ، لما تخارُ قوةُ الإنسانِ ، وتُعييه الحيلُ ، فلأنه ضعيفٌ يشكو ، ولأنه يعلمُ أنه يُناجي رباً رحيماً ، يجزعُ أمامَه ، دونَ غيرِه ، فإذا خرجَ للناسِ ، أشعرَهم بعظيمِ نعمِ اللهِ تعالي ، وجزيلِ فضلِه عليه ، وكأنَّ شيئاً لم يُصبْه ، أما الشكوي والأنينُ للناسِ ، فهما مهانةٌ ومذلة ، فغايةُ قُدراتِهم ، أن يقولوا لك : الله يعينك ! فما دام اللهُ المعينَ من الأساس ، فلِمَ لا نوفرُ جهدَنا في الحديثِ عن أحزانِنا ، للهِ وحدَه ؟ إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ ..
الرضا هو الوقوفُ الصادقُ مع مُرادِ اللهِ ، ولا يعني ألا تشعُرَ بالبلاء ، إِنَّمَا ألا تعترضَ عَلَى الحُكمِ والقضاء .
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، لم يقلْ ربُنا : فتسعدْ ، فقد تنقلبُ السعادةُ إلي حُزن ، فهي شعورٌ متغيرٌ غيرُ ثابت ، أما الرضا فهو شعورٌ ثابتٌ مستقر ، أكثرُ عموماً ، وأبلغُ شمولاً ، من السعادةِ نفسِها .
سألَ نبيُنا العظيم ( ص ) اللهَ تعالي ، الرضا بالقضاء ، ومعلومٌ أنه ( ص ) لا يسالُ ربَه إلا أعلى المقامات ، هو نفسُه (ص ) الذي قالَ : ذَاقَ طَعْمَ الإْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً.
الرضا من أعلي مراتبِ الإيمان ، إذ فيه التصديقُ الكاملُ ، أن ربَ الناسِ ، لا يأتي إلا بالخيرِ ، كلِ الخيرِ ، للناس ، ولذلك الراضي ، سعيدٌ بحالِه ، متصالحٌ مع نفسِه ، وصدقَ المعلمُ الأولُ ( ص ) لما قالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ .
قال سفيانُ الثوري ، رحَمَه الله : مَنْعُ اللهِ عطاءٌ ، ذلكَ أنه لم يمنعْ عن بُخلٍ ولا عدم ، وإنما نظرَ في خيرِ عبدِه المؤمنِ ، فمنعَه اختياراً ، وحُسْنَ نظر ..
وصي لقمانُ الحكيمُ ابنَه ، وهو يعظُه : أوصيك بخصالٍ تُقربُك من الله ، وتُباعدُك من سخطِه ، أن تعبدَ اللهَ لا تُشركْ به شيئاً ، وأن ترضى بقدرِ اللهِ فيما أحببتَ وكرِهتَ .
يقولُ ربنُا في الحديثِ القدسي : من لم يصبِرْ على بلائي ، ولم يرضَ بقضائي ، فليتخذّ ربّاً سِواي .
والرضا شقيقُ الصبر ، إن صبرتم أُجِرتُم، وأمرُ اللهِ نافذ ، وإن جزعتم أثمتم ، وأمرُ اللهِ نافذ ، فارضَ بقضاءِ اللهِ ، بقلبٍ مطمئن : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
والرضا نهاياتُه كلُها خيرٌ ، واللهُ سُبحانه يُبدعُ في صناعةِ النهايات ،
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ..
ليس المرادُ بالآخرة ، الدارَ الآخرة ، وليس المرادُ بالأولي ، الحياةَ الدنيا !
إذن ، ما المرادُ ؟ الآخرةُ ،نهاياتُ الشئ ، والأولي : بداياتُ الشئ نفسِه ، والمعني : اللهُ وحدَه ، يصنعُ النهاياتِ السعيدةَ ، والدليلُ في السياقِ نفسِه ..
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَي ..
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ..
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَي ..
انظروا جمالَ النهايات : آوي / هدي / أغني ..
عشْ راضياً ، تعشْ سعيداً مُطمئناً ، ولا تُكْثِر الشَّكْوَىَ ، فَيَأْتِيِكَ الهَّمْ ، وَلكِن أَكْثِر مِنْ الحَمْدِ ، تَأْتِيِكَ السَّعَادَة .
كَم تَشتَكي وَتَقولُ إِنَّكَ مُعدِمُ..
وَالأَرضُ مِلكُكَ وَالسَما وَالأَنجُمُ ..
هَشَّت لَكَ الدُنيا فَما لَكَ واجِماً ..
وَتَبَسَّمَت فَعَلامَ لا تَتَبَسَّمُ..
فاللهم ارزقنا أجملَ النهايات ..
اللّهُمـَّ آرزُقنآ حُـسنَ الخَآتِمة …