الدكتور عادل اليماني يكتُب : نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ..
في مستشفى الطب النفسي ،
قد لا يأتي المرضى ، وإنما يأتي ضحاياهم ..
حقاً وصدقاً : الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ ..
تأملتُ الدنيا كلَها ، بما فيها ، وبِمَنْ فيها ، فلم أجدْ أعظمَ من الرحمة ، تلكَ التي كتبها اللهُ علي نفسِه : فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ .
الرحمنُ الرحيم ، هكذا سمي ربُنا نفسَه ، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ .
والرحمنُ من أسمائِه سُبحانه ، ولا يجوز أن تُنسبَ لغيره : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ؟ وقد ذُكر اسمه تعالى ( الرحمن ) في القرآنِ الكريم 57 مرةً ، أما اسمه ( الرحيـــم ) فذُكر 114 مرةً ( يعني الضعف )
والرحمن والرحيـــم ، اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمةُ في اللغة ، هي الرقةُ والتعطُّف ،
والرحمنُ ، هو ذو الرحمةِ الشاملة ، لجميعِ الخلائق في الدنيا ، بمعني أنها تشملُ المؤمنَ والكافرَ ، أما الرحيـــــم ، فهو ذو الرحمةِ للمؤمنين يومَ القيامةِ : وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ..
و رحمةُ ربِك وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، والمؤمنون رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ، ونبيُهم رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، تأمل : نَبِّئْ ، يعني ، أخبرهم ( قرار ) أَنِّي وأَنَا ( العظمة كلُها ، والحصر والقصر كلُه ) الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( لا مغفرة فحسب ، بل وزيادة بالرحمة ) .
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، هذه أخلاقُ نبي الرحمةِ ، الذي قال :
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ..
وقال : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ جُزْءًا ، وأَنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءًا واحِدًا ، فَمِنْ ذلكَ الجُزْءِ يَتَراحَمُ الخَلْقُ ، حتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عن ولَدِها ، خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ .
وقال : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابِهِ ، فَهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبِي .
صدقتَ ، نبيَ الإنسانية ، يا مَنْ قال فيكَ ربُك : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، يا مَنْ قُلتَ عن نفسِك : إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ، كنتَ رحيماً بالناس ، وبالضعفاء ، وبالنبات والحيوان والجماد ، وسائر المخلوقات والموجودات ، وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ ..
هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ ..
قالَ ( ص ) في المرأةِ مع الرضيع ، ألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ : أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ : لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا ، وقال ( ص ) في الرجلِ جعلَ يحنو علي الصبيَ : أترحمُهُ؟ قالَ : نعَم ، قالَ : فاللَّهُ أرحَمُ بِكَ منكَ بِهِ ، وَهوَ أرحمُ الرَّاحمينَ .
والرحمةُ تعقُبها التوبة : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
وأجملُ أشكالِ الخضوعِ والذلِ ، ما كان بدافعِ الرحمة : وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذٌّلّ مِنَ الرَّحمَةِ ، والرحمةُ ضمانةُ إعمارِ البيوت ، وسرُ سعادتِها : وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً .
جاءَ عبدُاللهِ ابنُ المبارك ، إلى سفيان الثوري ( رضي اللهُ عنهما ) عشيةَ عرفة ، وهو جاثٍ على ركبتيه ، وعيناه تذرفان الدمعَ ، فقالَ له : من أسوأُ هذا الجمعِ حالاً ؟ فقال : الذي يظنُ أن اللهَ لا يغفرُ له ..
يا سادة ، هي الرحمةُ نبحثُ عنها مع الناس ، ونرجوها من الله ، فلِمَ لا نُقدمُها للبشرية ؟ لعلها تكونُ حجةً لنا أمامَ اللهِ ، يومَ القيامةِ ، فإذا كُنتَ ترجو رحمةَ مولاك ، فلا تبخلْ بها عن عبادِه ..