أحمد القاضي يكتب: النفق المظلمBlind Tunnel
“الإنفصال بعد العشق.. نفقٌ مظلم ضئيل النور!”
إنه ذلك الماكر الماهر، الهاكر، الحالم الساهر الذي يستطيع بكل دهاء أن ينصُب خُيوطه السامة كالعنكبوت، ويفرد أذرعته اللامة كالأخطبوط فَيُوقع بفريسته بكُل سُهولة وسَلاسة من مُنطلق الإهتمام المُبالغ فيه والحب والمودة المصحوبة بحلاوة اللسان ونعومة الإسلوب فتستسلم الضحية دون عناء، وتسلم نفسها له طمعاً في علاقة سوية قوية مُستمرة دائمة، فهو يمثل حُلم الحياة والفارس الأبيض الذي سيحملها على ذِراعيه وينطلق بها لذلك العالم الرومانسي الذي دائما ما كانت تحلم به وتبغاه، فلِما لا!!
إنه هو وقد ظهر والحلم أضحى واقعاً وما عليّ إلا أن اتمسك به حتى آخر العُمر، وليس من بعده عُمر، وبعدما تترسم الأحلام ويحييا سوياً في جو من الرومانسية والهدوء والتعلق المخيف، يختفي البطل الهمام ويبتعد عن تلك الشريدة المتعلقة ويتركها وحيدة فريسة للظنون والشكوك ويظل براقبها عن كثب ولكن عن بعد، وحينما يتيقن من أنها فقدت السيطرة على مشاعرها واصبحت في حالة يرثى لها من الحنين والهيام، يعاود الظهور ويعتذر عن الغياب ويقدم الأسباب تلو الأسباب، ويتحمل العتاب ويعدها بإنتهاء العذاب.
ومن المرجح أيضا زواج وكتب كتاب، فتعاود المغلوبة على أمرها التعلق ومبادلة الإهتمام كما لو كانت أدمنت الرفض والهروب، وبعدها مرات ومرات نفس الأسلوب فتكتشف تلك المسكينة البائسة بعد فترة من الزمن ليست بالقصيرة أنها ليست على رادار الحبيب المنتظر، تستفيق من حلمها لكابوس مُريع فتجدها وقد دخلت نفقاً مُظلماً فتصبح خائرة القوى لا تقوى حتى على المواجهة ولا تملك دافعية للهروب.
فتنعزل وتعتزل الناس القريب والغريب بل وتفقد الثقة في كل من حولها، ومن ثم تأخذ كثيراً من الوقت كي تُلمم جراحها وتعاود الوقوف على قدميها المجروحتين كي تخرج من نفق مظلم مرعب مفزع وجدت نفسها فيه مسكور الأبواب معتم الأجواء.
ردة الفعل هذه طبيعية خصوصاً إذا كانت العلاقة قد امتدت لفترة من الزمن، فالمرافقة بلا شك تجعلك متعلقاً بالشخص الآخر بانياً كل أحلامك، دُنياك ومستقبلك على وجوده، فالحياة لم تعد لك وحدك. إن ذلك وحده كفيلٌ أن يسبب حزناً شديداً للشخص، هذا الحزن قاتل فهو يأخذ بصاحبه بعيداً عن واقع معيشي مستمر فيمسي عاجزاً عن المضي قدماً، إذ تبدو له الحياة إعصاراً يلقي به في كل جانب.
هنا يبقى السؤال.. هل هي النهاية؟؟ هل من حلول؟؟
حقيقةً أشفق على بعض القلوب البائسة والتي لا تعلم معنى النسيان، هؤلاء من فقدوا نور الطريق، فبقوا عالقين في هذا النفق المظلم وظنوا الأمر قد انتهى، لكن درب العودة إلى المسار سهلٌ جداً، وانهاءه الآن عودةً نحو البداية أهون من أن تبقى تسير في دربٍ لا نهاية له. إن كنت أحدهم، لا تدع ذكريات وأقوال من مضوا تشكل عوالمك، وعُد بنفسك للوراءً، تذكر من كنت قبل أن تلتقيهم، أحلامك وطموحاتك غير محدودة فكيف تربطها بشخص قد تخلى عنك ومضى. إن كان من أحببت قد أضاء شُعلةً في القلب فقد عصف بها بمجرد رحيله، افتح المجال أمام الآخرين لكي يضيئها مرةً أخرى والنور درجات، فدع مجالاً لمن سينيرها حتى الفراق الأخير.
عزيزتي المظلومة البائسة.. لا عليكي كفاكي حزناً وكمداً، إنهضي وتحركي وإنطلقي، ما زال في العمر بقية للسعادة ولكن لا بأس من أن تتعلمي من تجاربك السابقة وان تشكل خبراتك ملاذاً آمناً للإختيار والإنتقاء، حينما يظهر في حياتك حبيب أو صديق فتريثي ما يكفي حتى تحكمي على الأمور من كل جوانبها ولا تنسي أن الإنسان كيس فطِن، ولا بنغي له أن يُلدغ من نفس الجُحر مَرتين فهذا ليس من العقل في شئ.
أما فيما يخص ذلك الفتي او الشاب او الرجل او الكهل ممن يستخدمون مهاراتهم الشيطانية في تعلق القوارير بهم إن الله بالغ أمره وليعلم انه عز وجل رقيب عتيد، يعلم خَائنة الأعين وما تُخفي الصدور، وكَما تَدين تُدان، وكُل ساقٍ سيُسقى بما سقى.
إن لم تكن رجلا حقيقيا قادراً على إحتواء من تعشق..!! فلا تزرع بقلبها نبضاً لا يعرف كيف يهدأ..!!