د. محمد الشرقاوي: الاستشراق مر بمراحل وانتهى إلى الاستشراق الأمريكي

كتب/عصام جمعة

ناقش “صالون د. عبد الحميد إبراهيم الزمبيلي”، في أمسيته الثانية عشرة، علاقة الاستشراق بالتحولات الكبرى في الحضارة الغربية، بمحاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي، أستاذ الفلسفة ومقارنة الأديان بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، بحضور نخبة من المفكرين والباحثين.

وقد افتتح د. محمد صالحين، الأمين العام للصالون، الأمسية مرحبًا بجميع ضيوف الصالون الحاضرين، والمتابعين للبث المباشر على صفحة الصالون بـ”فيسبوك”، ثم استعرض سيرةً علميةً موجزةً؛ لضيف شرف الصالون: أ.د/ محمد الشرقاوي؛ أستاذ الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
وحضر الأمسية د. عمرو شريف، د. كمال حبيب، د. فاطمة إسماعيل، د. سامية سلام، الناقد خالد جودة، الروائي م. محمد خليل، الباحث السنوسي محمد السنوسي.

وأضاف “صالحين”: الدكتور الشرقاوي رئيس قسم الفلسفة الإسلامية الأسبق بالكلية، ونائب رئيس الجامعة الإسلامية بإسلام آباد الأسبق، والأستاذ بالعديد من جامعات السعودية، وقطر، وباكستان، والمحاضر في العديد من الجامعات الدولية؛ مثل: أوكسفورد، وبرلين، وتوبنجن، وجوتنجن، وزيورخ، وسيدني، وملبورن، وكوالالمبور، والفاتح، ومرمرة، وتورجوت أوزال، ومجلس العموم البريطاني، وكنيسة ويست منستر في لندن، وكذلك لسيادته جهود علمية في إعادة تأسيس علم مقارنة الأديان في الجامعات المصرية والعربية والإسلامية الدولية.

وتابع: لأستاذنا الدكتور الشرقاوي الكثير من الكتب المرجعية؛ تأليفًا، وتحقيقًا، وترجمةً، وهو عضو في العديد من الجمعيات العلمية والفلسفية ومراكز البحوث، في مصر، وخارجها، وهو كذلك صاحب مشروع مركز الدوحة الدولي لحوار الحضارات، وعضو اللجنة العلمية لمؤتمر الدوحة الدولي لحوار الأديان، وقد شارك في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، وقدم فيها أوراقًا بحثية باللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك له جهود علمية وبحثية في تأسيس وتطوير الدراسات الاستشراقية في الجامعات العربية، وآخر مؤلفاته عن: (موريس بوكاي)؛ الذي نشره معهد العالم العربي في باريس، مشاركةً مع مؤسسة جائزة الملك فيصل العالمية.

وقد نوّه د. صالحين، عن أهمية المحاضرة ووصفها بأنها محاضرة نوعية، من أستاذ متمكن أمكن في علوم الاستشراق، فضلًا عن أنه بحاثةٌ منهجيٌّ، لا يصدر في آرائه العلمية إلا عن قناعات ذات برهان، أو دليل، أو- على الأقل- شاهد صحيح، وهذا بدوره أدى إلى كونه منصفًا، لا يقبل الاستشراق برمته، ولا يُدينه بضربةِ لازبٍ، بل يقبل منه ما هو جدير بالقبول، ويرفض منه ما حاد عن الجادة، وتنكب سواء السبيل.

وفي محاضرته، قال الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي، إن الاستشراق كان له تأثير بالغ على التحولات الكبرى في الغرب، وعلى العالم العربي أيضًا.. موضحًا أن الاستشراق امتد في الزمان على تاريخ طويل، أكثر من ألف عام، وامتد في الجغرافيا على رقعة كبير شملت العالم الغربي القديم والحديث.
وأشار إلى أن الاستشراق هو دراسة الغربيين للإسلام من كل زواياه، من تاريخ وحضارة ولغة ودين وثقافة.. لكن بمنهجية محددة سلفًا، وبهدف صناعة صورة مشوَّهة عن الإسلام لدى المواطن الغربي.
وذكر الشرقاوي أن الاستشراق في بدايته كان يهدف إلى رسم صورة سوداء كالحة السواد عن الإسلام، ثم أخذ يمر بمراحل وتخفَّف رويدًا رويدًا من هذا الإرث، وإن ظلت رواسبه باقية بدرجة ما، حتى عند المستشرقين المنصفين.

وأضاف: كان المواطن المسيحي الغربي هو المقصود بخطاب الاستشراق عند نشأته، رغبة في تحصين هذا المواطن من الإسلام، وليكون كارهًا لهذا الدين وخائفًا منه؛ فاجتمع على المواطن الغربي المسيحي الكره والخوف من الإسلام.
وأشار أستاذ الفلسفة ومقارنة الأديان إلى أن الاستشراق في مرحلته الأولى كان يقوم على الرهبان والقساوسة في الأديرة، وبقى في هذه المرحلة لثلاثة أو أربعة قرون. والنموذج الأبرز على ذلك دير Cluny الذي كان يقع في فرنسا وعلى أقرب نقطة إلى الأندلس/ إسبانيا، وبمساحة واسعة جدًا، ويضم 10 آلاف راهب.

وأضاف: ثم جاءت المرحلة الثانية للاستشراق، في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، عام 1312م، حينما اتخذ المجمع الكنسي بفرنسا قرارًا مهمًا للغاية، وهو السماح للجامعات الغربية بتأسيس خمسة أقسام لدراسة كل ما يتعلق بالإسلام.. فانتقل الاستشراق من “مرحلة الهواة” إلى مرحلة “المتخصصين”. وكان روجر بيكون أحد العرّابين لهذا القرار.

وتابع: ثم جاء ما عُرف بـ”الإصلاح الديني”، والذي أعتبره إصلاحًا اجتماعيًا وإداريًا فحسب، فتخففوا من سلطة الكنيسة لدرجة كبيرة، وكان مجال الحرية أوسع لدى الباحثين والعلماء، ثم دخلنا في القرن السابع عشر وحدث الإصلاح الفكري أو الإصلاح المنهجي، أي طرق التفكير والبحث العلمي للتخلص من سلطة أرسطو، الذي كانت الكنيسة قد ألبسته رداءها.
وأشار الشرقاوي إلى أن الغربيين في مرحلة الإصلاح الفكر اقترحوا المنهج التجريبي والاستقرائي، وجاء سبينوزا ونيوتن فحدثت نهضة علمية هائلة، نتيجة تغيير المناهج. وهذه النهضة العلمية تأسست عليها ثورة صناعية وتكنولوجية هائلة اقتضت إيجاد الأسواق، والبحث عن المواد الخام، وتوفير الأيدي العاملة، مما أنتج عندهم القوة والثروة.

وأوضح أن هذه الفترة أعقبها دخول الاستشراق في مرحلته الثالثة، مرحلة استشراق التنصير والاستعمار؛ حيث حدث تحالف بين الاستشراق والتنصير، فكان المستشرق منصِّرًا، والمنصر مستشرقًا، وأشهر هؤلاء زويمر الذي أسس “مجلة العالم الإسلامي”.

وذكر الشرقاوي أن المرحلة الرابعة للاستشراق بدأت بدخول “المدرسة الأمريكية” على الخط، فيما عُرف بـ”الاستشراق الجديد”، أو “ما بعد الاستشراق”، أي بمعناه التقليدي. وذلك في منتصف القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الثانية؛ فيمّم كبار المستشرقين وجوههم إلى واشنطن، وتأسست مراكز بحثية كثيرة مثل (راند)، وأصبح المستشرقون يُعرفون بالمستعربين، والاستشراق تحول إلى دراسة الإسلام أو الدراسات الإسلامية.

ورصد الشرقاوي تحولاً كبيرًا في مسيرة الاستشراق، حيث تغير من “دراسة النص- الإسلام” إلى “دراسة الواقع- المسلمين”، كما أننا نحن العرب والمسلمين أصبحنا زبائن للاستشراق، بعد أن كان خطابه موجَّها في البداية إلى المواطن الغربي المسيحي.

وأكد أستاذ الفلسفة ومقارنة الأديان أن كثيرًا من المستشرقين حينما يناقَشون بمنهجيتهم وبموضوعية يبدأون في مراجعة أنفسهم، وأن الاستشراق كان له فضل كبير في حفظ جانب مهم من التراث الإسلامي، وذلك بحماية المخطوطات وصيانتها ونشرها وتحقيقها، بينما كان العالم الإسلامي قبل قرنين أو ثلاثة لا يعتني بذلك، وتعرضت مخطوطات كثيرة للضياع والإهمال.

بدوره، أشار د. حسام الزمبيلي، رئيس الصالون، أستاذ طب وجراحة العيون، إلى ضرورة دراسة الاستشراق، وتقويم جهوده بإنصاف، والاستفادة من الحضارة الغربية عمومًا.
وبيّن أن الاستشراق كان له تأثير كبير في تكوين العقلية الغربية عن الإسلام والمسلمين، وأثر في عموم الغربيين، حتى تكونت لديهم صورة مشوهة عن عالمنا العربي والإسلامي.
وأوضح أن علينا تصحيح هذه الصورة بخطاب هادئ معتدل، يمد الجسور مع المنصفين، وأيضًا من خلال تصحيح واقعنا والنهوض به..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى