سندات الكوارث: حل تأميني مبتكر لمواجهة المخاطر

كتب / عاطف طلب
تشهد صناعة التأمين العالمية تزايدًا في حجم المخاطر الطبيعية، مثل الأعاصير والزلازل والفيضانات، نتيجة لتغير المناخ والنمو السكاني وتوسع العمران في المناطق المعرضة للمخاطر. في ظل هذه التحديات، ظهرت أدوات مالية مبتكرة لزيادة القدرة الاستيعابية لشركات التأمين وإعادة التأمين، ومن أبرزها سندات الكوارث (Catastrophe Bonds – Cat Bonds) التي تمثل جسرًا يربط بين أسواق التأمين وأسواق رأس المال.
ما هي سندات الكوارث؟
سندات الكوارث هي أدوات دين ذات عائد مرتفع تُصدرها شركات التأمين أو إعادة التأمين أو الحكومات بهدف جمع أموال يمكن استخدامها لتغطية الخسائر المالية الكبيرة الناتجة عن وقوع كوارث طبيعية مُحددة مسبقًا.
في حال عدم وقوع الكارثة خلال فترة السند، يحصل المستثمرون على عوائد مجزية. أما في حال وقوع الكارثة وتجاوز الخسائر مستوى معينًا متفقًا عليه، فقد يخسر المستثمرون جزءًا من رأس مالهم أو كله، ويُستخدم هذا المبلغ لتعويض شركات التأمين عن الخسائر.
الغرض من سندات الكوارث
تعتبر سندات الكوارث أداة حيوية لشركات التأمين وإعادة التأمين لإدارة مخاطرها وتوزيعها. فبدلًا من تحمل كامل العبء المالي للكوارث الكبرى، يمكن لهذه الشركات نقل جزء من هذا العبء إلى المستثمرين في أسواق رأس المال، مما يساعد على:
- تخفيف المخاطر: تقليل تعرض شركات التأمين لخسائر كارثية قد تهدد استقرارها المالي.
- توفير السيولة: ضمان توفر الأموال اللازمة لدفع التعويضات بعد وقوع كارثة كبيرة.
- تنويع مصادر التمويل: توفير بديل لأسواق إعادة التأمين التقليدية.
كيفية عمل سندات الكوارث
عند إصدار سندات الكوارث، يقوم المستثمرون بشرائها وتقديم رأس المال لشركة التأمين. يُحتفظ برأس المال في حساب ضمان أو في شركة ذات غرض خاص (Special Purpose Vehicle – SPV). تُحدد شروط السند بوضوح، بما في ذلك نوع الكارثة المغطاة، والمنطقة الجغرافية، والحد الأدنى للخسارة (Trigger Event) الذي يؤدي إلى تفعيل السند. إذا لم تحدث الكارثة المتفق عليها خلال فترة السند، يُعاد رأس المال للمستثمرين بالإضافة إلى الفوائد. أما إذا حدثت الكارثة وتجاوزت الخسائر العتبة المحددة، يُستخدم رأس المال المستثمر لدفع التعويضات، وقد يخسر المستثمرون جزءًا أو كل استثمارهم.
المزايا والعيوب
المزايا:
- عوائد جذابة للمستثمرين: تقدم سندات الكوارث عوائد أعلى مقارنة بالاستثمارات التقليدية، خاصة أنها غير مرتبطة بأسواق المال التقليدية.
- تنويع المحافظ الاستثمارية: توفر للمستثمرين فرصة لتنويع محافظهم، حيث لا يرتبط أداء هذه السندات بشكل مباشر بأداء الأسواق المالية.
- إدارة المخاطر لشركات التأمين: تساعد شركات التأمين على إدارة مخاطرها بفعالية وتقليل تعرضها للخسائر الكبيرة.
- تسعير المخاطر بدقة: تساهم في تسعير المخاطر بشكل أكثر دقة بفضل الاعتماد على نماذج علمية.
- تعزيز الاستقرار المالي: تساهم في تعزيز الاستقرار المالي للقطاع التأميني في مواجهة الأحداث الشديدة.
العيوب:
- مخاطر فقدان رأس المال: يواجه المستثمرون خطر فقدان جزء أو كل رأس مالهم في حال وقوع الكارثة المتفق عليها.
- التعقيد: تعتبر سندات الكوارث أدوات مالية معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للمخاطر المرتبطة بها.
- السيولة المحدودة: قد تكون سيولة هذه السندات أقل مقارنة بالأوراق المالية الأخرى.
سوق سندات الكوارث: نمو وتحديات
نمو السوق
شهد سوق سندات الكوارث نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بزيادة وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية. بدأ السوق نموه الحقيقي في منتصف التسعينيات بعد “إعصار أندرو” ثم زلزال نورثريدج، اللذين شكّلا صدمة لقطاع التأمين. كما شهد الاهتمام بـ”سندات الكوارث” تزايدًا خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتزايد إصدارها منذ جائحة كوفيد-19.
وفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز” وتقرير صادر عن Artemis، بلغت إجمالي إصدارات هذه السندات 18.1 مليار دولار منذ بداية عام 2025، متجاوزة الرقم القياسي للعام الماضي البالغ 17.7 مليار دولار. يأتي هذا النمو في وقت يشهد فيه العالم ظواهر جوية متطرفة متكررة، مما يؤكد الحاجة الملحة لهذه الأدوات.
نماذج دولية ناجحة
- جامايكا: أصدرت سندًا لمواجهة الأعاصير عام 2024 لتقليل العبء المالي على الحكومة.
- تركيا (TCIP): أطلقت برنامج التأمين ضد الزلازل بدعم من البنك الدولي وأصدرت سندين بقيمة 500 مليون دولار.
- الولايات المتحدة: تعتبر من أكبر أسواق سندات الكوارث، حيث أصدرت ولاية فلوريدا عدة سندات لمواجهة مخاطر الأعاصير.
- اليابان والمكسيك: استخدمتا سندات الكوارث لمواجهة مخاطر الزلازل والأعاصير بالتعاون بين الحكومات وشركات إعادة التأمين.
التحديات
على الرغم من النمو الكبير، تواجه سندات الكوارث تحديات منها:
- التعقيد والشفافية: أدوات مالية معقدة تتطلب فهمًا عميقًا، وقد تكون الشفافية فيها محدودة.
- مخاطر النموذج: تعتمد على نماذج قد لا تعكس الواقع بدقة، مما قد يؤدي إلى تسعير غير دقيق.
- مخاطر التفعيل: قد لا تتطابق الخسائر الفعلية مع عتبة التفعيل المحددة، مما يؤدي إلى عدم تفعيل السند رغم وقوع خسائر كبيرة.
- مخاطر السيولة: سوقها متخصص نسبيًا، مما قد يجعل من الصعب بيع السندات بسرعة.
- الإدراك العام: قد يرى البعض أن الاستثمار في هذه السندات يثير مخاوف أخلاقية، رغم أن هدفها الأساسي هو تمويل التعافي من الكوارث.
الدور المحوري لسندات الكوارث في صناعة التأمين
تلعب سندات الكوارث دورًا محوريًا في صناعة التأمين وإعادة التأمين، حيث توفر آلية مبتكرة لنقل المخاطر الكبيرة من الميزانيات العمومية لشركات التأمين إلى أسواق رأس المال العالمية، مما يساهم في:
- نقل المخاطر وتوزيعها: توزيع المخاطر على قاعدة أوسع من المستثمرين، مثل صناديق التحوط وصناديق التقاعد، مما يقلل من تركيزها في قطاع التأمين.
- تعزيز القدرة الاستيعابية: تمكين شركات التأمين من تغطية مخاطر أكبر دون التعرض لخطر الإفلاس.
- بديل لإعادة التأمين: توفير بديل مهم ومكمل لإعادة التأمين التقليدية، خاصة عندما تواجه قيودًا في قدرتها الاستيعابية.
- إدارة رأس المال: مساعدة شركات التأمين على إدارة رأس مالها بكفاءة أكبر.
- الاستجابة لتغير المناخ: توفير آلية لتمويل الخسائر المتزايدة الناتجة عن الأحداث المتطرفة.
آفاق المستقبل
يبدو مستقبل سوق سندات الكوارث واعدًا، مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية:
- تزايد مخاطر الكوارث الطبيعية: مع استمرار تغير المناخ، ستزداد الحاجة إلى أدوات فعالة لنقل المخاطر.
- التطور التكنولوجي: سيساهم التقدم في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في تحسين نماذج تقييم المخاطر.
- تنويع أنواع المخاطر: من المتوقع أن تتوسع سندات الكوارث لتشمل مخاطر جديدة مثل الأوبئة والأمن السيبراني.
- زيادة اهتمام المستثمرين: سيستمر المستثمرون في البحث عن عوائد جذابة غير مرتبطة بالأسواق التقليدية.
- دور الحكومات والمنظمات الدولية: من المرجح أن تلعب الحكومات دورًا أكبر في تعزيز استخدام هذه السندات.
- الابتكار في هيكلة السندات: سيستمر الابتكار في جعل هذه السندات أكثر جاذبية ومرونة.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية
يرى اتحاد شركات التأمين المصرية أن سندات الكوارث تمثل نقلة نوعية في الأدوات المالية التي تعزز مرونة شركات التأمين في مواجهة التحديات الكبرى. وأشار الاتحاد إلى أن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال خطوة ضرورية لفتح آفاق جديدة أمام السوق المصرية. ولهذا، بادر الاتحاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، إلى إعداد دراسة شاملة حول هذه السندات لتحديد قيمتها المضافة لقطاع التأمين المصري والتحديات التي يجب تجاوزها.
إن التعرف على مثل هذه الأدوات المالية المتطورة والاستفادة من التجارب الدولية هو خطوة هامة نحو بناء سوق تأمينية أكثر قوة واستدامة، قادرة على حماية الاقتصاد والمجتمع في مواجهة أخطار المستقبل.