“إشـتراكيـة النبي محمد ، وسَـلفـية ماركـس”

بقلم / أحمد عبد الحليم

أود في المقدمة أن أُنوه بأنني لست قِس بن ساعِدة ، وأنكم لستم زائري عِكاظ.. وأن كلانا ليس أهلاً للخطابة والعظات ، لا إلقاءً ولا تدبرا… ما أنا إلا قروياً مُثرثر ، لا يجيد الكلام ولا يحب تلاوته علي ملأٍ يزيدون عن الأربعه ، اللهم إن لم يكونو أركان غرفته !.

يقولون أننا أبناء زمن مثقف ، أصبح تمسك الإنسان بدينه فيه رجعيه ، والوقوف عند شريعته تزمت وإرهاب ، ومخالفته لها تحرر وحداثه.. مع أن سجون الأوطان تكتظ بمن يخالف شِرعة الحكام !.

يزعمون أيضاً بأنه زمن العلم والعقل والإبداع ، ويقولون بأن المبدع الحقيقي هو من ينسب القيمة للمادة وليس للروح ، وأن المعاني تتغير بحسب ما يقتضيه منها عولمة هذا العالم..

وكما قال ديكارت (الإنسان حر وسط دائرة) ، فإن جوهر العقيدة كنظريه وتطبيق يختلف ويتطور بحسب اختلاف الزمان والمكان.. علي سبيل المثال ، فإن النظريات الإجتماعيه والفلسفيه التي ندور في أفلاكها وتستقطبنا في هذا العصر.. كانت هي بعينها نفس القالب الذي يحوي نفس الأفكار ، والتي كان الأولون يتناحرون في تعميمها وتطبيقها في أزمانهم.. الفكرة والدافع والنزعة لم تتبدل ، الذي تغير هو فقط طريقة التعبير عنها والدعوة إليها… ركِـز معي عزيزي القارئ !.

الإشتراكية مثلاً.. يُصِر صديقي حذيفة أن النبي محمد “ص” لم يكن سِوى حنيفاً مسلماً ، ولم يَكُ يوماً من الإشتراكيين.

مع أنني مقتنع أن رسولنا هو أول من رسخ مفهوم الإشتراكية والثورة ، بل كان أول من قلب نظام الحكم السياسي والإجتماعي ، ليس في مكة فقط.. بل توسع “بإمبرياليه” حتي هيمن بنفوذِ وسلطانِ دعوته علي قلب أوروبا نفسها.. أوروبا منبع الفكر الاشتراكي والإمبريالي ورائدة العالم في عصرنا هذا ، رضخت تحت حكم دعوة محمد حيناً من الزمان !.

إن هذه الأحداث ليست نتاج صدفة ولا يمكن أن تحدث بلا مقدمات.

ففكرة العدالة والمساواة التي اتقدت في نفس كارل ماركس “مؤسس الإشتراكيه” ورفيق نضاله فريدريك إنجلز.. إبان حقبة الفوضي والظلام في أوروبا.. هي نفس الفكرة التي أُحِـيَّ بها إلي النبي محمد “ص”.. بغض النظر عن المعتقدات الدينيه ، اتكلم هنا من الناحية الإجتماعية والاقتصاديه.

فمحمد قبل أن يكون نبياً ، فهو رجل صاحب سياسة وفكر وفلسفة ، يُنفذها علي علم وفهمٍ وقصد.

وكذلك الظروف المتشابهة في الزمنين ، والعقبات التي كانت تواجه محمد وماركس.. كانت نفس الظروف والعقبات مع اختلاف المسميات والمصطلحات فقط.

فسيطرة تجار مكة كان يقابلها هيمنة الرأس ماليه علي العالم ، السَبيَّ والعبودية بين القبائل ، ليس إلا احتلال وفرض وصايه وسلب لثروات الدول بالمفهوم الجديد.

ولذلك استقطبت فكره العدالة التي كان يؤمن بها محمد وماركس نفس الطبقة تقريباً في الزمنين ( العبيد والمعدمين ، المهمشين وصغار الملاك ، الأحناف والمفكرين ).. على الترتيب.

وكما يحدث في أي ثـورة ، فإننا نري أن الطليعة المؤمنة بها ثلاثة تيارات.. اليساري الثوري ، الوسط المعتدل ، واليمين المحافظ.

فاليسار الثوري كان في التجربتين من العبيد والمعدمين ، أهل الصُفَه كما سماهم النبي ، البروليتاريا كما أطلق عليهم ماركس.. تلك الطبقة الكادحه التي دفعهم للإيمان بالفكره هو تحررهم من أي مِلكية أو قيد مادي أو معنوي ، النزعة للتساوي مع السادة في تقرير المصير ، والشعور بأهميتهم في المجتمع..

والوسط المعتدل هم أولئك الرجال الأحناف والشعراء في عصر النبي ، والمفكرين والأدباء والإعلاميين في عصرنا.. وهم فئة المثقفين التنويريين الذين عليهم أن ينشروا الوعي ويرسخوا أُسُس ومبادئ الفكر الجديد في عقول العامة والشباب والطلائع.. الذين يرددون الشعارات الرنانة والخطب الحماسية ، ويشحنوا العامة بالأمل لمستقبل أفضل.

أما اليمين المحافظ.. فؤلئك هم الأغنياء والسادة ، الطبقة الأرستقراطية الذين تمايلتهم الفكرة ودفعتهم فطرتهم السليمه لاعتناقها ، ولم يروا أن تطبيق العدالة يعني إلغاء الامتيازات الإجتماعية والطبقية التي يتمتعون بها.. كالأغنياء السابقون الأولون في الإسلام مثل أبي بكر الصديق وعبدالرحمن بن عوف.. ونبلاء أوروبا وفريدريك إنجلز نفسه في الإشتراكيه.. وهؤلاء هم أهل الحِل والعقد والشوري للنبي.. العصبة الشيوعيه رفقاء ماركس ، الكوميونات الذين يضعون دستور الميثاق الاشتراكي ، أو المانفيستو الشيوعي .. هم أيضاً الممولين للفكرة ، الذين يشترون العبيد ويحرروهم من عبودية

المشركين مثلما فعل أبو بكر مع بلال، وعثمان الذي اشترى بئر رومة وتبرع به للمسلمين أثناء الحرب.. كما فعل أيضاً فريدريك انجلز وفيلهلم ولف في وغيرهم من البرجوازيين الذين كافحوا ضد الفقر والمرض واستبداد الطبقه الحاكمه.

بهذا النسيج والتحالف الطبقي والفكري ، توحيد الهدف والغاية ، حينما يصبح معتنقي الفكرة سواسية كأسنان المشط.. حينها تنجح أي أفكار وأنظمة اجتماعيه كما نجح الإسلام والاشتراكيه.

إلا أن نظرية ماركس إندثرت تحت عجلات قاطرة التطور والحداثه ، وتلاشت مع تسارع الأحداث في أوروبا بعد الحروب العالميه ، بل وأثبتت فشلها فيما بعد حتي سقطت يوغوزلافيا آخر دولة اشتراكيه في تسعينات القرن الماضي.

 

أما الإسلام.. فلم يكن نظرية وفقط ، بل كان عقيدة راسخة ، أفكاراً إلهيه ذات مرمي بعيد ، لا تفتقر المرونة ولا تتعارض مع جوهر النفس البشريه ، دين يُسرٍ لا يُشاده أحد إلا غلبه ، لا تزعزه الحداثة والعولمه كما النظريات البشرية القاصره مهما بدت من كمال.

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ؟.. وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ.

ربما انتهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى