شعبان خليفة يكتب : الأستاذ ” سيد رومانه ” مابين تعليم الرياضيات و إعتلاء المنابر

من قرابة نصف قرن ، و حتى وقتٍ قريبٍ تربع هذا الرجل الأسطورة على عرش تدريس الرياضيات ، و المشاركة المجتمعية .. يمكنك حرفياً أن تقول ” إنه كان يضع علم الرياضيات فى كبسولات لطلاب دكران” بغرفة على يسار مدخل منزله بحرى البلد تقبع السبورة التى يصطف أمامها الطلاب و ينطلق صوت الجهور ليجعل من الأساس و الآسس و الجذور و الأشكال الهندسية متعة لطلابه خاصة طلاب الشهادة الإعدادية و بالطبع قد يكون البيت تغير لكنى اصف من ذاكرتى مشهد هذه الأيام القديمة التى عاصرتها ..

صوتٌ مميز

استاذ الرياضيات سيد محمد على الشهير ” بالأستاذ سيد رومانه ” تعرفه معظم قرى ومدن أسيوط و ليس نحن بلدياته فقط فقد كان ذائع الذات فى الغنايم على سبيل المثال وغيرها ربما بأكثر من شهرته فى دكران نفسها .. ما أن يبدأ الأستاذ سيد شرحه حتى ترمى الأبرة ترن .. صمت لا يكسره سوى طَلبِه من أحد طلابه أن يجيب على سؤال ، أو يرد على استفسار يختبر به الأستاذ يقظة تلاميذه ، وهو ذات الأسلوب الذى لازمه على منابر مساجد القرية التى ابدع عليها بأسلوب جديد فى الخطابه لا ينبش فى الكتب الصفراء مجهولة الكاتب ، و الروايات المكذوبة المثيرة المأخوذة من ألف ليلة و ليلة أو الأغانى للأصبهانى بقدر ما يربط الدين بواقع الناس، و معيشتهم ، وحياتهم اليومية فيطلب ممن يستيقظ فى الفجر ليطعم بهائمه أن يؤدى حق ربه فيصلى فرضه .. و ممن ألهاه التكاثر أن ينتبه لموعدٍ كل الناس مصيرها إليه وهو زيارة المقابر مقسماً بالله للناس أن الكل سيموت ، و مفسراً سورة التكاثر

{ (اَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
و يطالب بأسلوبه الجميل من يكفر بالنعمة أن يرجع فيشكر و يطالب من يجزع أن يصبر و يدعو إلى أن اتقان العمل دين كما العمل عبادة و يحذر من الخلط بين العادة ، والعبادة .
فى الماضى لم يكن فى دكران مدرسة إعدادية فكنا ندرس فى مدرسة الزرابى الإعدادية المجاورة للنقطة القديمة و كان أبناء دكران مميزون فى الرياضيات ، و سأحكى واقعتين فى هذا الصدد الأولى أيام الرياضة التقليدية ، و الثانية مع بداية الرياضة الحديثة ” فاى وواوى و اتحاد واندماج ، و ظهور المجموعات الخاصة بالأعداد الطبيعية و الحقيقية و الصحيحة ألخ ”

مواقف

الواقعة الأولى يشهد عليه طرفها متعه الله بالصحة مهندس المساحة عبدالرحمن حلمى هاشم أحمد إمام فقد كان بمدرسة الزرابى الإعدادية مدرس رياضة يكره طلبه دكران ، و يجبر التلاميذ على الدروس الخصوصية بأسلوب رخيص ، ولا داعى لذكر أسمه و لا لذكر امتلاء جسمه رحمه الله أن كان ميتاً و غفر له أن كان حياً … و قد وصل به الأمر لمنح عبد الرحمن حلمى صفراً فى أعمال السنه مطالباً إياه بأخذ درس خصوصى إجبارى ، و كان عبدالرحمن من انبغ الطلاب فى الرياضيات ، فلم علم الأستاذ سيد أخبر عبدالرحمن أنه سيزور المدرسة وكان الأستاذ سيد فى التوجيه و بالفعل فى اليوم التالى كان الأستاذ سيد محمد على بالمدرسة و دخل الفصل على الأستاذ المذكور ، و بعد المقدمه كتب سؤالاً فى المعادلات الرياضية ، و طلب ممن يعرف حله أن يرفع يده ، فلم يرفع سوى عبدالرحمن حلمى فقد كانت من المسائل التى يدرب عليه طلابه ، و بالفعل حلها .. ثم سأل الأستاذ سيد المدرس إياه قائلاً : الولد النابغة اللى عندك بيجيب كام فى اختبارات الشهر فاسقط فى يد المدرس إياه و اضطر للكذب و الأعتراف أمام الفصل كله بتميز عبدالرحمن حلمى هاشم بعد أن كان يصفه بالأمس بالضعيف المحتاج درس خصوصى .

الواقعة الثانية كنت أنا فى ثالثة اعدادى بمدرسة الزرابى الإعدادية ، و كنا ندرس الرياضة التقليدية فى الوقت الذى بدأ فيه تدريس الرياضة الحديثة لطلاب أولى اعدادى و كان هناك مخاوف أن لا يستوعبها الطلبه فتقرر فى طابور الصباح اختيار طالب لإختباره علانيه ، و لم يجدوا سوى طالب من دكران فاكر أسمه صابر وكان الأستاذ سيد مبكراً بدأ تدريب طلاب دكران علي الرياضة الحديثة ، و فى الطابور المدرسون يسألون عبر الميكرفون وصابر كما المذياع يجيب لينال تصفيق طابور الصباح كله .. ، و الوقائع كثيرة و لا أريد للمقالة أن تطول لحد الملل ..فقد كان الأستاذ رحمه الله متعدد الخواص وكل عمل يقوم به يعمله باتقان و إخلاص

الخطابة

و كما تالق فى مجال التدريس تألق الأستاذ سيد محمد على فوق منابر مساجد دكران و كان صاحب أسلوب متميز يفهمه العامة والخاصة ، فى الحث على العمل الصالح و نشر مكارم الأخلاق .. و قد كان من فضل الله أن حضرته مرات عديدة و قد آتاه الله القدرة على جذب انتباه سامعيه .. و بما لديه من معرفة لم تكن خطبة طويلة .. بل كانت قصيرة مؤثرة تنفذ إلى مرادها فى الدعوة للعمل الصالح و أحسن الأخلاق و أفضلها والتذكير بالدارالأخرة .. ، والموت ..، والبعث ..، والحساب

المعهد الدينى

و للأستاذ سيد محمد على أيادى كريمة فى المشاركة المجتمعية و ما ينفع الناس ، وهو عمل لم يقتصر على فتره عمله بالتدريس ثم التوجيه ثم إدارة العملية التعليمية لكنه استمر بعد خروجه على المعاش ، و جميع من حضروا تأسيس المعهد الدينى بدكران يعرفون عن قرب جهود الرجل الذى بذل من وقته وجهده الكثير ليقف هذا المعهد على أرض صلبه و يصل لما وصل إليه الآن .. فلم يكن الطريق مفروشاً بالورود و الحرير .. و شهود هذه الفترة يذكرون فى ليالى الشتاء الباردة كيف وصل الأمر إلى حد الإقامة الدائمة من الأستاذ سيد محمد على ومعه المرحوم على العسران ، و غيرهم ممن تحملوا عناء التأسيس ، وهذا العمل لم يكن خدمة لأهالى البلدة فحسب بل كان خدمة لدين الله و للعلم النافع جعله الله فى ميزان حسناته.. ونفع البلاد و العباد بالدارسين فيه .. اللهم اغفر للأستاذ سيد محمد على ، وارحمه ،و اجعله من أهل الجنة و نعيمها .. اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هؤلاء وأمثالهم هم النجوم الزاهرة ووالقلوب التي بحبها لله والوطن عامرة، تتقن كل ما يوكل إليها من عمل وتبدع فيه، وتنشر علمها على طلابه ولا تبخل به، تعمل في صمت لا تبحث عن شهرة ولا شكر ولا تمن ولا تتباهي بما لم تفعله كما هو حال فقاعات الفضائيات. على أكتاف هؤلاء تظل مصر ناهضة، هم دعاماتها لا غيرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى