مني النمر تكتب: ما بيننا …!!

اليوم لن أتحدث في السياسة …
رغم أن هناك الكثير مما يستحق الكتابة ، والكثير مما يدفعنا للحديث ، والتفكير ، وربما القلق …
و لكني أشعر أننا بحاجة إلى لحظة هدوء … لحظة نخرج فيها قليلا من دوائر الأخبار و التحليلات …
أننا بحاجة إلى شيء أعمق …
إلى الحديث عما “بيننا “…

ما بيننا كأخوة ، كأبناء عائلة واحدة ، كبيوت كانت يوما مفتوحة على بعضها…
ما بيننا من روابط ، من ذكريات ، من أسماء نعرفها ونرددها بمحبة …
وما بيننا الآن من مسافات لم يخلقها السفر فقط ، بل خلقتها الحياة بكل ما حملته من تعب وانشغال وضغوط …

اليوم …
لن نناقش خبراً سياسياً ، ولا حدثاً كبيراً …
لكننا سنذهب إلى ما هو أعمق وأقرب …
إلى تلك المنطقة العميقة في القلب ، حيث تسكن العائلة ، أو حتى حين نبتعد عنها …
لم تكن العائلة يوما مجرد أسماء على شجرة نسب ، أو صور قديمة معلقة في إطارات على الجدار …
العائلة روح ممتدة ، وجذور تمتد في القلب قبل الأرض ، ووجوه تشبهنا في الملامح و الطباع ، حتى وإن فرقت بيننا المسافات والسنين …

لكن شيئا ما تغير في هذا الزمن …
صار جمع العائلة مهمة ثقيلة ، وتحولت اللمة من دفء وبهجة ، إلى “حسابات” و”تكاليف” و”إحراج” …
في ظل هذه الظروف الاقتصاديه التي نمر بها جميعا ، أصبحت كلمة عزومة وحدها قادرة على أن تمنع لقاء وتقطع وصلا ، لأن البعض صار يرى أن الاجتماع لا يليق إلا بطاولات ممتلئة بالأطباق ، وأصناف الطعام التي تتطلب ميزانيات لوحدها …

ونسينا المعنى الأساسي …
أن الهدف لم يكن يوما الطعام .
الهدف هو الناس …

ماذا سيحدث لو غيرنا طريقة تفكيرنا ؟
لو قررنا أن اللمة أهم من المائدة ؟
وأن الأسرة ليست مسرح للاستعراض …

لن يحدث شيء لو كل فرد جاء بصنف بسيط من الطعام .
لن يحدث شيء لو اكتفينا بأكواب الشاي وقطعة كعك .
لن يحدث شيء لو جلسنا نتحدث ، نضحك ، نستعيد أسماء من غابوا ، ونعرف الأطفال بأعمامهم وخالاتهم قبل أن يكبروا غرباء .

بل على العكس … سيحدث الكثير …

سنحافظ على خيط لا يجب أن ينقطع .
سنعلم أبناءنا معنى صلة الرحم .
سنمنعهم من أن يكبروا في عالم يشعرون فيه بالوحدة رغم أن لهم عائلة …

منتهى الحزن أن يجلس أبناء العم وهم لا يعرفون بعضهم .
أن تسأل طفلا: “تعرف خالك اسمه إيه ؟”
فيجيب وهو يبتسم بخجل: “لا” …!!

كيف نسمح بذلك ؟
كيف نترك العلاقات تذبل أمام أعيننا ، فقط لأن الحياة أصبحت مرهقة ؟

الحياة دائما كانت مرهقة …
لكننا سابقا كنا نواجهها معا .
الآن نواجهها فرادى … ولهذا نشعر بثقلها أكبر …

لذلك …
لا تجعل تكلفة الطعام سببا في قطع رحمك .
لا تنتظر المناسبة الكبيرة .
لا تشغل بالك بالمظاهر .
اجتمعوا كما كنتم تجتمعون زمان ، ببساطة ، بعفوية ، بمحبة …

قل لأمك: “تعالي نعمل شاي وننادي إخواتي”.
اتصل بأختك وقل لها: “تعالي نقعد ساعة”.
خذ أبناءك إلى بيت جدهم حتى لو دون دعوة مسبقة …
اسمح لبيتك أن يكون بيتا مفتوحا، حتى لو لم يكن كاملا …

ولأن الترابط بين الأجيال ليس رفاهية ، بل حماية من الضياع .
فحين تنقطع العائلة …
تنقطع الهوية …
وحين نعيش وحدنا ، نفقد جذورنا …

اجتمعوا …
ولو على الخبز والشاي …
فالعائلة إذا ابتعدت ، لا يعوضها شيء …

البيوت لا تكبر بالأثاث …
البيوت تكبر بمن يسكنها ، و بمن يملأها بالضحكات والذكريات …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى