مني النمر تكتب: عندما تختار الهزيمة …!!
لطالما ظننت أن الهزيمة كلمة قاسية لا تُنطق إلا على استحياء ، كلمة تُلصق بالضعفاء أو بمن لم يملكوا الشجاعة الكافية للاستمرار ، لكن مع مرور السنوات واختبار الحياة من زواياها الأكثر وجعا ، أدركت أن للهزيمة وجوها أخرى لا نراها من النظرة الأولى ، وأن أخطر ما يمكن أن نفعله بأنفسنا هو أن نحكم على اختياراتنا بعيون الآخرين لا بصدق إحساسنا …
الإنسان لا يعرف حقيقته إلا حين تقف به الحياة عند لحظة رمادية ، لا هي نهاية كاملة ولا بداية واضحة ، لحظة تجبره على التوقف ، على مراجعة نفسه ، على أن يسأل السؤال الأصعب : هل أستمر لأنني أريد ، أم لأنني أخاف أن أُتهم بالهروب ؟
في تلك اللحظات ، لا يكون الطريق مفروشا بالإجابات ، بل بالشكوك ، ويبدو كل اختيار وكأنه خسارة محتملة .
أن تختار الرحيل يُفسر ضعفا ، وأن تختار البقاء يُسمى صبرا ، بينما الحقيقة غالباً أعمق من هذا التصنيف السطحي .
هناك معارك نخوضها لا لأننا نؤمن بها ، بل لأننا نخاف من نظرة الآخرين إن انسحبنا منها ، علاقات نتمسك بها لا لأنها تمنحنا الحياة التي نستحقها ، بل لأن فكرة نهايتها تؤلمنا أكثر من استمرار فيها ، وأماكن نبقى فيها فقط لأن الخروج منها يحتاج شجاعة لا يملكها الجميع …
ومع الوقت ، يبدأ الإنسان في اكتشاف نوع مختلف من الهزيمة ، هزيمة صامتة لا يصفق لها أحد ، لكنها تنقذ ما تبقى من روحه …
هزيمة نختارها بوعينا الكامل ، لا لأننا عاجزون عن المواصلة ، بل لأن المواصلة نفسها صارت نزيفا مستمرا …
أن تنسحب من معركة تستنزفك ، أن تترك علاقة لم تعد تشبهك ، أن تغادر مكانا أصبح وجودك فيه عبئا عليك ، كل ذلك قد يبدو في نظر الآخرين خسارة ، لكنه في الحقيقة محاولة أخيرة للنجاة …
لم أكن أؤمن يوما بأن الانسحاب يمكن أن يكون انتصارا ، حتى وجدت نفسي في معارك كثيرة ظننتها مسألة حياة أو موت ، معارك لإثبات الذات ، أو للحفاظ على صورة ما ، أو لإرضاء توقعات لا تنتهي .
كنت أظن أن الصمود يعني القوة ، إلى أن اكتشفت أن بعض الصمود ليس سوى عناد ضد النفس ، وأن بعض الانتصارات لا تترك خلفها سوى تعب مزمن ، وقلق دائم ، وروح مرهقة لا تعرف الراحة …
الهزيمة التي نختارها بإرادتنا ليست استسلاما ، بل اعتراف شجاع بأننا نستحق حياة أقل قسوة ، وأن سلامنا الداخلي ليس رفاهية يمكن تأجيلها .
هي قرار واعٍ بأننا لن نواصل دفع ثمن لا طاقة لنا به ، ولن نثبت شيئا على حساب صحتنا ، ولن نبقى في أماكن لا تمنحنا إلا الشعور بالغربة .
أحياناً …
يكون أعظم انتصار هو أن تنجو بنفسك ، أن تحمي ما تبقى منك ، أن تختار السلام ولو كلفك ذلك أن يسميك الآخرون مهزوما .
فليس كل من انتصر كسب ، وليس كل من انسحب خسر …
بعض الهزائم تُنقذ الحياة ، وبعض الانتصارات تقتلها ببطء ، والفرق بينهما لا يعرفه إلا من تجرأ يوما واختار ببصيرة …



