بقلم د. محمد خليفة “حين تبتسم الأقلام.. البهجة غير الموفقة والتنازل المقصود”

في لحظة واحدة تتحول ملامح من كان يفترض به أن يراقب إلى ملامح تبتسم في كادر محسوب بدقة أمام لافتة كبيرة تحمل اسم جهة مسؤولة كانت بالأمس عنوانا لتقصير أو فساد أو فشل إداري فتبدو الصورة وكأنها إعلان مصالحة لم يطلب أو كصك تبرئة بلا محاكمة مجرد تكريم بسيط ودرع رمزي وصورة سريعة كفيلة بأن تنهي مشاعر الغضب وتطفئ الحماسة التي كانت تحرك القلم بالأمس وتسكن العقل الذي كان يطرح الأسئلة الصعبة تلك البهجة التي تملأ الوجه لا تبدو بريئة تمامًا ولا تشبه بهجة من أنجز شيئا فعليا بل هي بهجة غير موفقة تأتي في غير موضعها وفي غير وقتها وفي غير معناها لأنها تضعنا أمام سؤال مؤلم؟
ماذا حدث للصوت؟ الذي كان لا يتردد في قول الحق حتى لو ضاق به المكان من الذي أقنعه أن الحياد يعني أن يبتسم لمن ينتقده وأن المهنية تعني أن يصمت حينما يأتي وقت المجاملة وكيف تحول الشعور بالمسؤولية إلى شعور بالامتنان المزيف والفرح المربك وكيف تنازل عن جزء من نفسه دون أن يشعر الإهمال النفسي يبدأ حين يقنع الإنسان نفسه أن الصورة لن تضر وأن التكريم لا يعني الموافقة وأن الضحكة لا تمحو التحقيق لكنه لا يلاحظ أنه في كل مرة يبتسم فيها للسلطة يفقد جزءًا من استقلاله وفي كل مرة يصمت فيها عن التناقض يفقد جزءًا من صدقه.
وفي كل مرة يتنازل فيها عن حدة الموقف تحت شعار اللياقة يخسر نفسه دون أن يدري لأن المهنة لا تحتاج فقط إلى أدوات نظيفة بل إلى روح متيقظة لا تسمح بتخدير الضمير على جرعات فمتى كانت السلطة تكرم من يُحاسبها ومتى أصبح النقد يرد عليه بدرع يحمل شعار الدولة ومتى أصبح الفرح في حضرة من كان ينتقد مؤشرًا على تنازل عميق لقد تشوه المشهد حتى صرنا نحتفل بالفشل على أنه إنجاز ونلتقط الصور مع من كان يجب أن يسائل ونصفق باسم العلاقات العامة على حساب العلاقة بين الحقيقة والمسؤولية.
كل هذا ليس مجرد أخطاء عابرة بل علامات على خلل عميق في فهم الدور وفي تقدير قيمة المسافة بين من يراقب وبين من يراقب تلك المسافة التي إن ضاعت ضاع معها المعنى كله وربما المهنة كلها لأن من يفرح في حضرة من يجب أن يحاسب قد لا يكون فاسدًا لكنه بالتأكيد لم يعد كما كان لم يعد الطرف الذي يخيف المسؤول بل صار واحدًا من جمهوره وصار المشهد كله بهجة غير موفقة ضحكة لا تليق بصورة لا تعني شيئا سوى أن التنازل المقصود بدأ ولم يتوقف.