شيركو حبيب يكتب: أيلول.. ثورة من أجل الديمقراطية وإحلال السلام

في الحادي عشر من هذا الشهر تمر علينا الذكرى 64 لثورة أيلول – سبتمبر، و رغم أن الكورد لم يكونوا طلاب حرب بل دعاة سلام و استقرار في كل الأوقات و الأزمنة، لكنهم لم يتهاونوا في حقوقهم و الدفاع عن أرضهم و كيانهم.
لم يلجأ الكورد لحمل السلاح يوما ما لحل الخلافات، إلا إذا اضطروا للدفاع عن أنفسهم، كما في ثورة أيلول – سبتمبر عام 1961، عندما شن النظام العراقي آنذاك هجومه على القرى الكوردية الآمنة بالطائرات، في جوابها على اقتراح الزعيم الكوردي الجنرال ملا مصطفى بارزاني الخالد بحل القضية الكوردية حلا سلميا كما أشار إليها الدستور العراقي، لكن انحراف قادة ثورة 14 تموز – يوليو عن مبادئ و أهداف الثورة و الدستور الذي نص على شراكة العرب و الكورد في الدولة، و دفاعا عن شعب كوردستان، اندلعت في 11 من أيلول سبتمبر عام 1961 الثورة بقيادة الأب الروحي للشعب الكوردي الجنرال ملا مصطفى بارزاني الخالد، ردا على الاعتدءات العسكرية.
وأصبحت أيلول ثورة كل العراقيين الخيرين لبناء دولة ديمقراطية مدنية، مثلما رفع الحزب الديمقراطي الكوردستاني شعاره حين تأسيسه (الديمقراطية للعراق، والحكم الذاتي لكوردستان)، هكذا كانت نظرة و رؤية البارزاني ببناء دولة مدنية ديمقراطية، و حققت الثورة انتصارات تلو الانتصارات، ورغم كل ذلك لم يدع البارزاني الخالد أية فرصة للحوار و المفاوضات لعل و عسى تعود الحكومة إلى رشدها و تكف عن قتل أبناء العراق في حرب و قتال لا مبرر لها، لكن الحكومة كلما كانت تنهزم تلجأ إلى الحوار وحينما تشعر بالقوة تبدأ بالهجوم.
و لكن رغم ذلك لم تنجح إلا حينما تنازل صدام عن أراضى و مياه عراقية إلى شاه إيران، مقابل ضرب الحركة الكوردية ضمن مؤامرة دولية نفذت في 6 آذار – مارس 1975 و سميت باتفاقية الجزائر، لأنها وقعت هناك بوساطة الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين.
حقتت ثورة أيلول – سبتمبر إنجازات عسكرية عظيمة، وفيها ملاحم بطولية لم تحدث في التاريخ مقارنة بالأسلحة البسيطة و أعداد أقل من القوات العراقية، حتى وصل الأمر بالحكومة العراقية عام 1974 إلى الاستعانة بخبراء و مستشارين عسكريين من الاتحاد السوفيتي و الهند بولونيا (كما جاءت في الوثائق البريطانية التي اطلعت عليها و ترجمتها)، ورغم شراسة العدو الثورة حققت اتفاقية تاريخية سميت باتفاقة 11 آذار مارس 1970 التي اعترفت بالوجود الكوردي و حقوق الشعب السياسية والثقافية .
خلال فترة الثورة كان ملا مصطفى بارزاني يدعو دائما إلى الحوار، و أشارت إلى ذلك الصحف الأجنبية من خلال زيارات مراسلي الصحف العالمية مثل نيويورك تايمز، رغم أنه لم يكن من الهين تغطية الأحداث من قبل الإعلاميين و الصحفيين في مناطق تعتبر ساخنة و خطيرة للتغطية الصحفية و الإعلامية ، كمناطق الحروب و الثورات أو الاعتصامات، لاسيما في أوقات من الزمن لم تكن وسائل التواصل كما في الوقت الحاضر، كذلك لم يكن من السهل اتصال القائمين بالثورات (ونحن نتكلم عن ثورة كوردستان عام 1961 على وجه الخصوص)، بالعالم الخارجي سواء الاتصال بخارج كوردستان أو خارج العراق عن طريق الصحافة و الإعلام ، وذلك لعدم توفر الإمكانيات و الوسائل في حينها.
كل ما كانت تمتلكه ثورة أيلول حينئذ كانت إذاعة راديو محلية متواضعة ذات شبكة تردد ضعيفة لا تتجاوز تغطيتها مناطق كوردستان، هذه من جهة، ومن جهة أخرى كانت الحكومة العراقية آنذاك قد فرضت حصارا على كوردستان و منعت كافة الصحفيين (ومن ضمنها الغربيين) من السفر إلى كوردستان و كانت الحكومة تصف في إعلامها الثورة بأنها تمرد قبلي و تزعم أن الحكومة ستقضي عليها خلال أيام، لكن رغم ذلك وصل عدد من الصحفيين رغم خطورة الموقف.
ورغم هذا الحصار إلا أن بعض الصحف و وكالات الأنباء استطاعت الوصول إلى هناك و اللقاء بزعيم الثورة، و أشادت هذه الصحف ووسائل الإعلام بالثورة و مطالب الشعب الكوردي، وطالب البارزاني بضمانات دولية لعدم ثقته بالحكومة الإيفاء بوعودها، حيث طلب من جمهورية مصر العربية و رئيسها جمال عبدالناصر وكان من مؤيدي حل القضية الكوردية حلا سلميا، أن يكون ضامنا للاتفاق.
كانت ثورة أيلول من أجل السلام و بناء دولة مدنية ديمقراطية، و من خلالها ناضل الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقدم الآلاف من الشهداء و الضحايا من أجل أهداف نبيلة سامية لشعب لا يريد سوى العيش على أرضه بسلام وأمان .
خلال مسيرتها عانت ثورة أيلول – سبتمبر الكثير من الموانع و الحواجز ومؤامرات الأعداء ، إلا أن حكمة و حنكة قائدها و قيادتها و إيمان البيشمركة بعدالة قضيتهم و كفاءة و كاريزما قائدهم السند و الداعم الأكبر للثورة للقضاء على كل ما وقف في طريقها.
واليوم إذ نحيى ذكراها ال 64 علينا الالتزام بمبادئ هذه الثورة التي كانت أحد العوامل الرئيسة لما و صلت إليه كوردستان من برلمان و حكومة و انتعاش اقتصادي و أمن وسلام، وعلينا أن نلتزم بمبادئ هذه الثورة لأنها كانت ثورة الديمقراطيين و داعمي دولة مدنية ديمقراطية تعددية، علينا أن نستلهم من نهج بارزاني الخالد و رؤى الزعيم الكوردي مسعود بارزاني لتوحيد البيت الكوردي و بناء عراق ديمقراطي فدرالي تعددي، ينعم بالسلام و الأمان و العيش المشترك لجميع مكونات العراق بعيدا عن الانتماءات المذهبية والطائفية الضيقة.