شريف الريس يكتب: آلام الجوع.. صرخات تتصاعد من غزة والسودان

في عالم يمتلك من الموارد ما يكفي لإطعام الجميع، تظل آلام الجوع واقعًا مريرًا يفتك بالملايين، خاصة في مناطق الصراعات والنزاعات. ما نشهده اليوم في قطاع غزة والسودان ليس مجرد نقص في الغذاء، بل هو تدهور إنساني غير مسبوق، وصور مأساوية تدمي القلوب وتستوجب وقفة جادة من المجتمع الدولي.

لقد بلغ الوضع الإنساني في غزة مرحلة “غير مسبوقة من التدهور”، كما أعلن برنامج الأغذية العالمي. أرقام مفزعة تتحدث عن نفسها: نحو ثلث سكان القطاع يُحرمون من الطعام لأيام متتالية. تخيل أن تستيقظ كل صباح وأنت لا تعلم متى ستتاح لك الفرصة لتناول وجبة، أو ما إذا كانت ستتاح لك أصلاً. هذه ليست مجرد إحصائيات، بل هي حياة أشخاص، أطفال، نساء، رجال، يعيشون في كابوس يومي من الحرمان. أكثر من 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، وهو ما ينذر بكارثة صحية طويلة الأمد، حتى لو انتهت الحرب اليوم. هؤلاء الأطفال، الذين هم عماد المستقبل، يُحرمون من أبسط حقوقهم في النمو والتطور السليم، مما يترك آثارًا لا تُمحى على أجسادهم وعقولهم.

وما يزيد الطين بلة هو العنف الذي يتعرض له الباحثون عن لقمة العيش. أكثر من 800 شخص قُتلوا أثناء انتظار المساعدات منذ أواخر مايو الماضي. هذه ليست حوادث فردية، بل هي دليل على يأس شديد يدفع الناس إلى المجازفة بحياتهم للحصول على القليل من الغذاء. إن المشهد الذي يرى فيه الناس يموتون وهم ينتظرون طعامًا لإبقاء أسرهم على قيد الحياة، هو وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.

الوضع في غزة ليس استثناءً، فصورة الجوع تتكرر في أماكن أخرى من العالم، والسودان خير دليل على ذلك. الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية ومنظمة الأغذية والزراعة تدقان ناقوس الخطر بشأن السودان، الذي لا يزال في “قبضة أزمة إنسانية ذات أبعاد مذهلة”. الأمن الغذائي هناك تدهور إلى أسوأ مستوياته “في تاريخ البلاد”. سنوات من الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي أدت إلى تشريد الملايين وتدمير سبل العيش، مما دفع بالملايين إلى حافة المجاعة. الأسر هناك تبيع كل ما تملك من أجل البقاء، وشهادات النازحين تتحدث عن أيام وليالٍ بلا طعام، وأطفال يُضطرون للتسول من أجل لقمة العيش.

إن آلام الجوع تتجاوز الإحساس الجسدي بالنقص. إنها تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة: الصحة، التعليم، التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الكرامة الإنسانية. الجوع يولد اليأس، ويزرع بذور الصراع، ويهدم آمال المستقبل. عندما يعاني الناس من الجوع، لا يمكنهم التفكير في أي شيء آخر سوى البقاء على قيد الحياة. المدارس تغلق، والمستشفيات تعجز عن تقديم الرعاية، والاقتصاد ينهار.

ما يحدث في غزة والسودان هو نداء استغاثة عاجل. يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بفعالية أكبر لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وغير المشروطة، وضمان وصولها إلى مستحقيها دون عوائق. ولكن المساعدة الإنسانية، وإن كانت ضرورية، ليست حلاً مستدامًا. الحل يكمن في إنهاء الصراعات، وبناء السلام، ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمات الإنسانية. يجب العمل على تمكين المجتمعات المحلية، وتوفير فرص العيش الكريم، وبناء أنظمة غذائية مرنة ومستدامة.

إن الأرقام والتقارير التي تصدرها المنظمات الدولية ليست مجرد بيانات إحصائية، بل هي صرخات استغاثة من أناس يعانون. يجب أن تدفعنا هذه الصرخات إلى العمل، ليس بدافع الشفقة فحسب، بل بدافع الواجب الإنساني. كل طفل يعاني من سوء التغذية، وكل شخص يموت جوعًا، هو تذكير صارخ بفشلنا الجماعي في تحقيق أبسط مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية. هل سنصغي إلى هذه الصرخات قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى