د. تامر ممتاز يكتب : مصر وحل الأزمة الاقتصادية العالمية

الخبير المصرفي والاقتصادي، نائب مدير عام بأحد البنوك الأجنبية - مصر.

تُعد الأزمة الاقتصادية العالمية في جوهرها أزمة إنتاجية. فقد حدث خلل في الدورة الإنتاجية واستمر هذا الخلل دون معالجة لعقود طويلة تحت مظلة الثقافة الرأسمالية.

لقد كانت حرية السوق دون ضوابط حكومية هي السبب الرئيسي. ففي ظل هذا المفهوم، يختار القطاع الخاص القطاعات الأكثر ربحية لاستثماراته، مما أدى إلى تركز الاستثمار في مجالات معينة وإهمال أخرى. هذا التركيز يخلق تقلبات عنيفة في الدورات الاقتصادية، ناجمة عن تفاؤل أو تشاؤم جماعي للمستثمرين يقع خارج نطاق السيطرة.

لم يتمكن القطاع الخاص من توظيف جميع الأفراد أو تحقيق إنتاجية كافية لتلبية احتياجات الجميع. وقف الناس أمام أبواب القطاع الخاص بحثًا عن فرص عمل، لكن القدرة الاستيعابية للقطاع الخاص كانت ولا تزال محدودة.

توجد قوى بشرية هائلة غير مستغلة، في حين تواجه المجتمعات متطلبات معيشية لا يمكن إشباعها. كان على الدول أن تجد حلًا، واتجهت الحلول نحو البحث السريع عن الموارد الطبيعية. لكن هذه الموارد لا تكفي لتلبية احتياجات الأمم؛ فهي تنضب بمرور الزمن، أو أن معدلات استخراجها لا تتناسب مع معدلات الزيادة السكانية. بالتالي، لا توجد إنتاجية كافية لهذه المجتمعات لأن الموارد الطبيعية لا يمكنها وحدها تلبية استهلاك المجتمعات أو توفير فرص عمل للجميع.

لجأت الحكومات إلى الاقتراض من بعضها البعض، حتى تضاعفت الديون العالمية لتفوق النواتج القومية، وانتهى الأمر بإفلاس عالمي عُرف باسم “الكساد الكبير”. كما قامت الحكومات بطباعة عملاتها المحلية بمعدلات تفوق معدلات النمو الاقتصادي، ونظرًا لندرة الإنتاجية وزيادة الطلب، تضاعفت الأسعار بشكل كبير.

حدث التضخم في اتجاهين: ارتفاع التكلفة في جانب العرض، وتزايد رغبات الناس بلا إنتاجية كافية في جانب الطلب. وكانت النتيجة ارتفاعًا متتاليًا للأسعار خرج عن السيطرة.

لحل هذه المشكلة، لا بد من الإسراع في تحقيق الإنتاجية. ولكن كيف يمكن تحقيق الإنتاجية ونحن نعتمد على القطاع الخاص كوسيط للوصول إلى الأفراد من حيث التوظيف والدخل، وهو القطاع الذي لا يمكنه استيعاب المجتمع بأكمله؟ القطاع الخاص أشبه بفتحة الإبرة الضيقة التي لا يمكننا العبور من خلالها للوصول إلى جميع أفراد المجتمع؛ أي أنه مسار خانق.

في الاقتصاد، تتحقق الإنتاجية بتكامل العناصر الأربعة للإنتاج: الأرض، رأس المال، العمل، والتنظيم. هذه العناصر لا تتفاعل مع بعضها بشكل مباشر، وبالتالي لا يمكنها التكامل. وطالما لم تتكامل، فلن تتحقق الإنتاجية المرجوة. على سبيل المثال، صاحب السيارة لا يعرف أين هو صاحب المال، ولا أين السائق. وصاحب العمل لا يرى أين هو العامل أو المقاول، ولا يعلم أين السيارة لنقل البضاعة إلا من خلال إعلان أو سمسار.

إذًا، الخطوة الأولى هي إظهار العرض عبر موقع إلكتروني مقترح، قمت بتصميمه بشكل متخصص وتمت تجربته عام 2015. هذا الموقع يُعلن عن العرض أولًا، ثم تتكامل عناصر الإنتاج الأربعة للوفاء بهذا العرض فورًا، وفقًا للموارد المتاحة والبدائل الموجودة في السوق المحلي أولًا.

هنا، ستتمكن المجتمعات من تحقيق تنمية غير مسبوقة، حيث يمكن أن تصل معدلات النمو من 70% إلى 80%. سيتم استغلال جميع القوى البشرية، ولن تقتصر حياة المجتمعات على الموارد الطبيعية فقط. سيتمكن كل فرد من البحث عن الفرص المتاحة في محيط سكنه والتواصل مع أصحابها، ثم يتم استكمال عناصر الإنتاج الأربعة من المحيطين به. وبالتالي، يتم إشباع العرض ويتم خلق الدخل من خلال الإنتاجية. هذه هي بداية نهاية الكساد العالمي الكبير.

إذا تم تنفيذ هذا المشروع بالشكل المذكور، فسوف نجد الإنتاجية في كل مكان يوجد فيه الإنسان. ستتضاعف الإنتاجية وسيتم توفير الدخل لجميع الأفراد المشاركين في العملية الإنتاجية دون انتظار فرصة عمل من القطاع الخاص.

هنا ستُخلق الفرص. سترتفع قيمة العملات المحلية، وسترتفع مستويات المعيشة، وستتحقق الوفرة، وتنتهي الأزمة الاقتصادية، ولن تتكرر على الأجيال القادمة بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى