المستشار محمد سيد أحمد يكتب: السلاح.. بين الحماية والجريمة

في ظل تزايد الاهتمام العالمي بمكافحة العنف المسلح، يبرز القانون المصري كواحد من أكثر الأنظمة صرامة في مواجهة جريمة حيازة السلاح بدون ترخيص. هذه الجريمة لا تُعتبر مجرد مخالفة إدارية، بل تُصنّف كـ”تهديد للأمن القومي”، نظراً لارتباطها الوثيق بالجرائم المنظمة والإرهاب.
فكيف ينظم القانون المصري هذه القضية؟ وما حدود العقوبات التي قد تصل إلى السجن المؤبد؟
الإطار القانوني: تشريعات صارمة وتعديلات متتالية
1. القانون رقم 394 لسنة 1954
يُعد هذا القانون العمود الفقري لتجريم حيازة الأسلحة النارية دون ترخيص، حيث يشمل تعريف “السلاح” الأسلحة النارية، البيضاء، وحتى المتفجرات. كما يفرض اشتراطات صارمة للحصول على الترخيص، مثل:
الخلو من السوابق الجنائية
وجود مبرر قانوني للحيازة (مثل الصيد أو الرياضة)
موافقة وزارة الداخلية
2. تعديلات 2019 (القانون رقم 14)
رفعت العقوبة إلى السجن المشدد من 7 إلى 10 سنوات، مع غرامة تصل إلى 500 ألف جنيه عند حيازة سلاح ناري، خاصة في حالات التجمهر أو الترويع.
أضافت ظرفاً مشدداً إذا تم ضبط السلاح في منشآت حيوية مثل المطارات، الجامعات، والمباني الحكومية.
العقوبات: سيف القانون المسلط
الحبس المشدد: من سنة إلى 10 سنوات، حسب نوع السلاح والظروف المحيطة بالجريمة.
الغرامات الفلكية: تبدأ من 10,000 جنيه وتصل إلى 500,000 جنيه.
مصادرة السلاح: إلزامية حتى لو لم يكن قيد الاستخدام.
العقوبات التكميلية: قد تشمل الإدراج على قوائم الإرهاب في حالة ارتباط الجريمة بأعمال إرهابية.
إشكالات التطبيق: بين النص القانوني والواقع
1. إشكالية الإثبات
في بعض الحالات، يواجه المتهمون أحكاماً قاسية رغم عدم وجود قصد جنائي واضح، مثل:
وجود سلاح في سيارة مستعارة دون علم السائق
حيازة السلاح بالخطأ في حقائب السفر أو المنازل
2. التراخيص المزورة
تزوير تراخيص الأسلحة يُعد جريمة منفصلة، تصل عقوبتها إلى 5 سنوات سجناً، لكنها تكشف عن ثغرات في الرقابة الإدارية ومدى فاعليتها.
3. التقاليد الاجتماعية
في بعض مناطق الصعيد، تُعتبر حيازة السلاح عادة اجتماعية متوارثة، مما يخلق صداماً بين القانون والعرف. فهل يجب إعادة النظر في آليات الترخيص لاستيعاب هذه العادات؟
مقارنة دولية: مصر مقابل دول الجوار
السعودية: تطبق عقوبة السجن حتى 3 سنوات مع الجلد.
لبنان: العقوبات أقل صرامة (6 أشهر إلى 3 سنوات) رغم انتشار الأسلحة خارج سيطرة الدولة.
مصر: تُعد الأكثر تشدداً، وهو ما يُفسَّر بسياقها الأمني الخاص بعد 2013.
—
رأي القانون في الدفاع: هل هناك مخرج قانوني؟
هناك بعض الدفوع القانونية التي قد يستخدمها المتهمون لتخفيف العقوبة، مثل:
1. الدفع بعدم العلم بالحيازة: إذا كان السلاح بحوزة شخص آخر دون علم المتهم.
2. انتفاء القصد الجنائي: في حالات الدفاع الشرعي عن النفس أثناء وقوع اعتداء.
3. التنازل عن السلاح طواعية: بعض القضاة يأخذون ذلك بعين الاعتبار ويخففون العقوبة.
خاتمة: السلاح.. امتياز أم تهديد؟
القانون المصري يبعث برسالة واضحة: حيازة السلاح ليست حقاً مطلقاً، بل امتيازٌ يتطلب رقابة صارمة. ومع ذلك، فإن تشديد العقوبات وحده لا يكفي لضمان الأمن، بل يجب أن يترافق مع حملات توعية لتشجيع تسليم الأسلحة غير المرخصة، وتبسيط إجراءات الترخيص بما يراعي العادات الاجتماعية.
فالأمن لا يتحقق بالقانون وحده، بل بالتوازن بين الصرامة التشريعية وحكمة التطبيق.
نصيحة قانونية
“إذا ورثت سلاحاً، لا تنتظر! سلّمه فوراً لأقرب قسم شرطة مع إثبات سبب الحيازة. اليقظة قد تنقذك من سنوات ضائعة!”.