مني النمر يكتب: “عالم آخر” …!!

ماذا لو تركنا هذا العالم بكل صراعاته ، بكل ضجيجه وهمومه ، وسمحنا لأنفسنا بلحظات من الهروب الجميل…؟
ماذا لو وجدنا باباً سحرياً يعبر بنا إلى عالم آخر ، عالم لا مكان فيه إلا للبهجة ، للألوان الزاهية ، للضحكات الصافية التي تتراقص في الأفق كألحان خفيفة …؟
تعالوا نغلق أعيننا للحظة ، ونفتحها على دنيا لم نعرفها من قبل …
تخيل أنك تستيقظ صباحاً على ضوء ذهبي دافئ يتسلل برفق عبر نافذتك ، ليس ضوء الشمس المعتاد ، بل ضوء ناعم يشبه اللمعان السحري ، كأنه يحمل معه دفء و جمال الأحلام .
تشعر بأن الهواء مشبع برائحة الفانيليا والياسمين ، وأن الوقت لا يضغط عليك كما يفعل دائماً . لا شيء يسرعك ، لا شيء يزعجك ، فقط راحة ممتدة بلا حدود ، وكأنك في عالم صمم خصيصاً لك ليكون ملاذاً للفرح فقط .
ستجد نفسك عندما تقف أمام المرآة ، لا ترى مجرد انعكاس لوجهك ، بل ترى نسخة منك أخرى تبتسم بسعادة حقيقية ، تشع طاقة إيجابية وكأنها تقول: “اليوم يومك ، لا شيء قادر على سرقة فرحك”.
تغادر غرفتك لتجد أن الأرض ليست باردة كما اعتدت ، بل دافئة بلطافة نسيم بحر في يوم صيفي هادئ …
وعندما تمشي في هذا العالم ، تشعر بأنك تطفو ، و كأن كل شيء من حولك يتآمر ليجعلك تشعر بالخفة ، بالحرية ، بالانتماء لهذا المكان الذي لا يعرف سوى البهجة …
فالسماء هنا ليست زرقاء فقط ، بل ممتلئة بدرجات من الألوان التي لم ترها من قبل ، تدرجات ساحرة من الأخضر الفاتح ، والوردي الخفيف ، والأرجواني الذي يعانق الأفق .
الغيوم ليست مجرد كتل بيضاء ، بل تشبه قطع القطن المنقوعة في العسل ، تذوب ببطء في الهواء ، تبعث دفئاً لطيفاً كأنها تحتضن السماء بأكملها ، والهواء ليس مجرد هواء ، بل أنغام غير مسموعة ، تشعر بها تتسلل إلى قلبك قبل أن تصل إلى أذنيك ، تجعلك تتنفس بإيقاع متناسق مع نبضات قلبك مع نبضات الحياة من حولك …
في هذا العالم ، لا يوجد شيء اسمه “عجلة الحياة” …
فكل شيء يسير بانسيابية كأن الزمن أصبح صديقاً ، لا يطارد أحدا ، لا يسابق أحدا ، بل يترك لكل شيء مساحته لينمو ، ليتفتح ، ليأخذ وقته في أن يكون جميلا .
هنا … لا وجود للوقت ، لا عقارب ساعة تلسعك كلما نظرت إليها ، ولا مواعيد تفوتك فتشعر بالندم ، فالزمن يتهادى كسحابة كسولة ، يمنحك كل الفرص التي تريدها لتعيد المحاولة ، لتجرب ، لتفشل دون أن تخاف العواقب …
هنا … لا يوجد أحد يسير عابسا ، لا أحد متعب أو مثقل بالهموم .
لا ترى غير أشخاصا يضحكون بصدق ، ليس الضحك المعلب الذي نراه في الصور ، بل ضحك يخرج من القلب ، ضحك يشعرك بأن الكون بأسره يتفاعل معهم ، يشاركهم متعتهم ، يحتفل بوجودهم …
والأجمل من ذلك … “أن الجميع هنا يعرف كيف يسعد الآخر ، بلا مصلحة ، بلا خوف ، بلا تردد ، بلا قيود…”
في هذا عالم تبنى فيه العلاقات والمشاعر نقية ، بلا حسابات معقدة ، بلا خوف من الغدر ، بلا تردد في التعبير عن الحب ، بلا قيود تمنع القلب من أن يكون على طبيعته …
في هذا العالم ، الكلمات ليست مجرد حروف تتشكل كيفما تعلمناها ، بل تحمل طاقة تشعر بها قبل أن تسمعها .
كل كلمة تقال هنا تنبعث منها ألوان ترى في الهواء ، فإذا قلت “أحبك”، أضاء المكان بضوء ذهبي دافئ ، وإذا قلت “اشتقت لك”، ملأت السماء زهورا تتطاير برائحة الورد الأبيض ، وإذا ضحكت ، تناثرت حولك فقاعات صغيرة تعكس ألوان الطيف ، تنفجر بخفة محدثة صوتا يشبه همس البحر …
حتى المطر ، عندما يهطل ، لا يكون رماديا قاتما، بل كأنه زخات من ضوء لؤلؤي ، يلمع لحظة ملامسته الأرض ، يترك أثرا براقا للحظات ، ثم يختفي وكأنه لم يكن سوى لمسة سحرية تجدد كل شيء من حوله …
المدن هنا ليست مزدحمة ولا صاخبة ، بل كأنها بنيت لتكون أماكن للاسترخاء ، شوارعها تتسع دائما لك ، لا زحام ، لا ضوضاء ، لا عجلة تدفعك للركض بلا هدف … المنازل كلها لها نوافذ تطل على حقول من الأحلام ، كل باب يفتح على مشهد مختلف ….
قد تجد نفسك أمام بحر سماوي اللون ، أو غابة من الأشجار التي تعزف الموسيقى كلما هبت الرياح ، أو سهل ممتد من الزهور التي تتمايل كأنها ترقص لك وحدك .
حتى الزهور هنا ليست كما نعرفها ، إنها تتفتح أمامك بمجرد أن تمر بجانبها ، تلقي عليك التحية بلغة لا تسمع ، لكنها تحس ، كأنها تهمس في أذنك: “مرحبا بك في عالم السعادة ” …
أما عن الحب في هذا العالم ، فهو ليس معقدا كما هو في واقعنا …
فلا توجد حسابات ، لا يوجد خوف من الغدر أو الفقدان ، لا أحد يقلق نفسه بما سيحدث غداً ، لأن الجميع يعلم أن الحب هنا أزلي ، لا ينطفئ ، لا يبهت ، بل يظل متوهجا كالشمس ، دافئا كحضن أم ، حقيقيا كما يجب أن يكون …
حتى العيون هنا لا تنظر فقط ، بل تتحدث ، تبوح بكل شيء دون الحاجة إلى الكلمات ، كأن الأرواح تتخاطب فيما بينها بلغة أعمق من كل اللغات التي نعرفها …
وفي هذا العالم ، لا يوجد وداع ، لا يوجد فراق ، فقط لقاءات متجددة ، لأن كل درب يؤدي إلى الآخر ، كل طريق يحمل معه مفاجآت سعيدة ، كل لحظة هي بداية جديدة .
لا أحد يخشى الغد ، لأنه ليس مجهولا ، بل وعد بمزيد من الفرح ، بمزيد من المغامرات ، بمزيد من الحياة التي تعاش كما ينبغي …
لا وجود للخوف هنا ، لا توتر ولا قلق ، لأن الجميع يؤمن بأن لكل شيء وقته المناسب ، وأن لا شيء يستحق أن يفسد يوما واحدا من حياتك …
في النهاية …
ربما هذا العالم ليس حقيقياً ، ربما هو مجرد خيال ، لكنه ممكن …
فلماذا لا نصنع هذا العالم هنا ، في واقعنا …؟
ربما لن نمتلك سماءً متعددة الألوان ، لكن يمكننا أن نضيء أيامنا بألوان تملأ أرواحنا ، وربما لن تتفتح الزهور لمجرد مرورنا ، لكن يمكننا أن نجعل القلوب تتفتح بكلمة طيبة ، بلحظة اهتمام ، بنظرة حب …