د. مصطفى كمال بدوي يكتب : الحرمان البيئي وعلاقته بالتأخر اللغوي لدى الأطفال

الحرمان البيئي أحد أسباب تأخر النمو اللغوي ، و يقصد به غياب البيئة المنبهة للطفل، التي تحفز قدراته اللغوية. وهو غياب الاستثارة التخاطبية التي تحفز قدرات الطفل لغويا ومعرفيا وحركيا وإبداعيا نتيجة عدم اندماج الأم في الأحاديث المنبهة والمشجعة للغة الطفل أو الإفراط في الحماية الزائدة من جانب الوالدين (التدليل المبالغ فيه مما يسبب نمو اللغة بصورة أبطأ من النمو الطبيعي لها و يجعله متأخرا عن أقرانه في نفس المرحلة العمرية على الرغم من سلامة العناصر الداخلية العضوية للغة لدى الطفل.
وتعتبر مرحلة الطفولة المبكرة من أهم مراحل النمو في حياة الفرد، حيث تتشكل فيه شخصيته وتكتمل وتتضح ملامحها في مراحل حياته المقبلة، إذ تزخر هذه المرحلة بالإمكانيات غير المحدودة، إذ إنها الفترة الحاسمة التي يستوعب خلالها الطفل طريقه للتعلم. فالطفل العادي في مرحلة ما قبل المدرسة يتمكن من اكتساب ما يقرب من خمسين مفهوما جديدا كل شهر، بما يساعده على الاتصال بالآخرين، وإشباع حاجاته النفسية، ونمو العمليات المعرفية لديه .
أما الطفل المتأخر لغويا نتيجة الحرمان البيئي، فليس بمقدوره أن يكتسب مثل هذه المفاهيم اللغوية التي تزيد من محصوله اللغوي وبخاصة إذا عاش وحيدا وسط ناس لا يستطيعون التخاطب معه. وذلك يؤدي إلى انخفاض محصوله اللغوي وتصبح ميكانيزمات التواصل بينه وبين العالم الخارجي معدومة. ومن تلك الآليات كلمات مفردة وجمل بسيطة وتراكيب لغوية ضعيفة. ولما كان النمو اللغوي من أهم مظاهر النمو العقلي للطفل، فإن الارتقاء اللغوي لدى الطفل في السنوات الأولى من العمر له أهمية بالغة في اكتساب الطفل عضويته في المجتمع، فهو يستطيع أن يقدم نفسه إلى الآخرين من خلال أنماط سلوكية يستعين على تحديدها باللغة. كما بإمكانه إدراك الآخر وفهم الكثير عنه.
ومما لا شك فيه أن نوع علاقاته بالآخرين لا تحدده اللغة فحسب بل تحدده عوامل أخرى، كالطمأنينة وتعدد تجارب الدفء والحنان والرضا النفسي والتواصل الإيجابي مع والديه وخاصة الأم.
ويرتبط التأخر اللغوي الناتج عن الحرمان البيئي ارتباطا كبيرا ببيئة الطفل التي تعتبر أحد العوامل المسئولة في اكتساب الطفل للغة، نظرا لأن المحيط الشخصي للطفل يتشكل من كل الأشخاص الذين يتكلمون من حوله إلا أن هؤلاء الأشخاص لا يلعبون جميعا دورا متساويا في اكتسابه اللغة، إذ تحتل الأم من هذه الزاوية موقعا متميزا حتى يتم اكتساب الطفل اللغة التي تعكس بدورها التطور المعرفي.