مني النمر تكتب: هل نحن تحت السيطرة …!!؟

في زمن لم تعد فيه الحروب تقاس بعدد البنادق ولا الحروب الإقتصادية بالعملات وحدها …
ظهر نوع جديد من السيطرة … سيطرة الأفكار و السيكولوجيا النفسية …
فلم يعد العالم بحاجة إلى الجيوش لتغيير مصائر الشعوب ؛ فشاشة صغيرة في أيدي الملايين أصبحت أقوى من أي جيش مهيب …
وهنا يظهر سؤال ملح
هل نحن نعيش تحت حكم ملوك جدد للعالم …!!؟

مارك زوكربيرغ ، مؤسس فيسبوك ( ميتا) ، و إيلون ماسك ، صاحب تويتر (إكس) ومبتكر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ، لم يعودا مجرد رجال أعمال أو مبتكرين في مجالاتهم …
بل أصبحوا رمزا لتحكم غير مسبوق في حياة البشر اليومية ، إنهم يملكون المنصات التي أصبحت مرآة لروح الإنسان وعقله ، يشاهدون و يحللون كل كلمة نكتبها ، كل صورة ننشرها ، كل نقاش ندخله …!

فهناك تحليل نفسي للبشر عبر المنصات …!
فمنذ انطلاق منصات التواصل الاجتماعي ، بدأت البيانات تجمع ، ولم يكن الأمر واضحاً آنذاك ، فهى مجرد كلمات نكتبها على عجالة ، صور نشاركها ، أذواق نكشف عنها من خلال إعجاباتنا ، و لكن كل ذلك يخزن ويحلل …
مارك زوكربيرغ بنى نظاما يعتمد على تحليل هذه البيانات ، ليس فقط لفهمنا بل للتنبؤ بما سنفعله بعد ذلك .
فيسبوك وتطبيقاته (إنستغرام ، واتساب) أصبحت أدوات تستخدم لفهم أعمق لرغباتنا ، و عاداتنا ، وحتى مخاوفنا .

أما إيلون ماسك ، فهو ليس بعيداً عن هذا المسار ، و ذلك بعد إستحواذه على تويتر وتحويله إلى “إكس” ، و الذي ركز على تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم توجهات الرأي العام …!!
ليس فقط عبر الكلمات التي نكتبها ، بل حتى ما نميل إلى تجنبه .
فنجد أن تحركات البشر على هذه المنصات ليست عشوائية ، بل هي خيوط متشابكة ترسم بمهارة لتكوين صورة كاملة عن عقولنا …

فهل نحن تحت السيطرة …!!؟

يتساءل البعض ، هل هذه التقنيات مجرد أدوات أم أنها أصبحت وسائل للتحكم في البشر …؟
الحقيقة أننا نعيش في عالم غير مرئي عبر شاشات هواتفنا . فنجد إعلانات تظهر فجأة وكأنها قرأت عقولنا ، مقاطع فيديو مقترحة تناسب حالتنا المزاجية ، وحتى أخبار معينة تظهرها لنا المنصات لتوجيهنا نحو رؤية محددة أو توجيه معين …!
فتطبيقات مثل فيسبوك و إنستغرام ليست مجرد منصات اجتماعية ، بل هي مختبرات نفسية ، تم تصميمها لتكون أكثر جاذبية وتأثيرا …
فعلم النفس المستخدم في تصميم هذه التطبيقات يستهدف إدمان المستخدمين عليها ، فكل نقرة أو إعجاب ليست مجرد فعل عادي ، بل هي تفاعل محسوب بعناية لتعزيز بقائك على المنصة لأطول وقت ممكن …
هل لذلك تأثير على مستقبل الدول …؟
نعم … ولنتذكر هذا جيداً … الحروب الجديدة هى حروب الأفكار …

فإذا كان الماضي مليئا بالحروب التقليدية ، فإن المستقبل يبدو مختلفاً تماماً . الحروب الجديدة لن تكون بالصواريخ والدبابات ، بل بالأفكار والمعلومات . فالدول والجماعات وحتى الأفراد باتوا يتنافسون على التأثير في عقول البشر من خلال هذه المنصات .

مارك و إيلون وغيرهما أصبحوا أدوات في هذا الصراع ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
منصاتهم ليست فقط أسلحة تكنولوجية ، بل هي مراكز قوة عالمية.
و قد بدأت الحكومات إدارك ذلك ، وهو ما دفع العديد منها إلى محاولة تقييد هذه المنصات أو حتى حظرها …
إذا … ما الهدف النهائي من كل ذلك …؟
الإجابة معقدة … بالنسبة لمارك ، الهدف الظاهري هو “ربط البشر” وجعل العالم أكثر انفتاحاً ، ولكن هذا الربط ليس بريء تماما …
الحقيقة أن البيانات التي تجمع عن المستخدمين تباع للشركات و الأهم الحكومات …!

أما إيلون ، فقد أظهر توجها أعمق من مجرد الربح ، خاصة مع استثماره في الذكاء الاصطناعي ، فرؤيته للعالم تتجاوز حدود الإقتصاد التقليدي ، فهو يسعى إلى تغيير طبيعة الإنسان نفسه ، سواء عبر مشروعه نيورالينك لربط الدماغ البشري بالذكاء الاصطناعي ، أو عبر منصات مثل إكس التي تستخدم لفهم التوجهات العالمية.

وعليه نجد ترامب و بذكاء يحسب له ، أدرك أن مفتاح السيطرة على العالم الحديث لا يكمن في الجيوش أو الإقتصاد التقليدي ، بل في التحكم في أدوات النفوذ الرقمي …
عبر تحالفه مع إيلون ماسك و تعينه وزيرا في حكومته الجديدة ، و كذا عبر اتجاهه نحو تعزيز علاقاته مع مارك زوكربيرغ في خطوة استراتيجية خطيرة تثبت رؤيته المستقبلية فلا شيء يأتي عبثاً…
ترامب يعي أن امتلاك النفوذ على منصات التكنولوجيا العملاقة ، التي تعد اليوم أقوى أسلحة العالم ، يمنحه السيطرة على سيكولوجية الشعوب وتوجيه أفكارها ، مما يعيد تشكيل موازين القوة العالمية …

هل هذا بديل للحروب التقليدية؟

نعم ولا …!
الحروب التقليدية ما زالت قائمة ، ولكن الحروب النفسية والرقمية أصبحت مكملة لها.
التحكم في عقول البشر أصبح قوة تضاهي قوة الجيوش …
فبدلاً من أن تجبر الناس على الطاعة بالقوة ، يمكنك ببساطة أن تجعلهم يقتنعون بأن ما تريده هو ما يريدونه هم …

السؤال الأكبر هنا هو …
هل سيصبح العالم مكانا أكثر عدلا بفضل هذه التقنيات ، أم أننا نسير نحو عصر جديد من العبودية الرقمية …!!؟

ربما تكون الإجابة في أيدينا نحن .
إذا استمررنا في منح هذه المنصات الحرية الكاملة للسيطرة على حياتنا ، فإن المستقبل يبدو مظلما ، ولكن إذا تعلمنا كيفية إستخدام التكنولوجيا بوعي ، و تحكمنا في استخدامنا لها ، فقد نكون قادرين على استعادة السيطرة ليس فقط على أنفسنا بل أوطاننا و مستقبلنا …

في النهاية …

مارك زوكربيرغ و إيلون ماسك ليسوا مجرد رجال أعمال . هم رموز لعصر جديد ، عصر تتحكم فيه التكنولوجيا و السيكولوجيا النفسية الجمعية في مصير البشرية ، عبر الشاشة الصغيرة التي نحملها بين أيدينا ، و التي قد تكون أخطر أداة في تاريخ البشرية …
و عليه …
السؤال ليس ما إذا كنا تحت السيطرة ، بل كيف يمكننا إستعادة هذه السيطرة ، حتى لا نبقى عبيدا للشاشات الرقمية …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى