مني النمر تكتب: “كشف حساب”

ما بين عام مضى وعام آتي هناك محطه نمر بها في نهاية كل عام ، تسمى “كشف حساب” …
قد تكون نقطة مفصلية في تغيير وجهتنا و نظرتنا للحياة ، فلم يعد كل شيء كما كان قبل عام …
مع هذا الكشف تتكشف لنا حقائق البشر المحيطين بنا ، و من قبلها حقيقتنا نحن …
“كشف الحساب” … هى لحظة نتوقف فيها عن الركض المتواصل بين الأيام ، ونعود إلى الوراء لنراجع ما مضى ونستكشف ملامح الطريق الذي نسير عليه …
ربما كان عاما مليئا بالإنجازات ، وربما حمل في طياته الخسارات و الخيبات ، وربما كان مزيجا معقدا بين الإثنين …
ولكن الأهم من كل ذلك و ذاك ، هو أن نقف مع أنفسنا بصدق ، نواجه ما مررنا به ، و نقرر كيف نكمل الطريق …
سنجد في هذا الكشف كل ما فعلناه و ما كان يجب أن نفعله ولم نفعل ، و كما في أي ميزانية ختامية ، هناك أرباح ، و خسائر …
قد أكون خسرت أشياء كثيرة … ربما
فرصا لم أقتنصها ، أو وقتا كان يمكن أن أستغله بشكل أفضل … ربما
أو أشخاصا كنت أظن أنهم سيكونون جزءا من حياتي إلى الأبد … ربما
و لكنني ربحت أولئك الذين كانوا بجانبي في اللحظات الصعبة ، الذين أعادوا لي الأمل عندما كدت أن أفقده ، الذين أحبوني بصدق دون إنتظار مقابل …
بالنسبة لي ، العام الماضي كان عبارة عن سلسلة من المعارك الصغيرة … بعضها خسرتها ، وبعضها خرجت منها منتصرا …
و لكن الأهم أنني تعلمت فيه الكثير …!!
تعلمت فيه أن النجاح ليس دائما على هيئة شهادات أو إنجازات كبيرة …
فقد يكون أحيانا في أشياء بسيطة جدا …
كأن تبقى واقفا رغم كل ما مررت به ، في أن تجد في نفسك قوة تكمل بها يوما صعبا ، أو أن تتغلب على شعور الإحباط الذي كان يلازمك …
عندما تتعلم و تكتشف أن هناك أشياء كنت تعتقد أنك لا تستطيع العيش بدونها و لكنك عشت ، و أنك أقوى من دونها ، أقوى كثيراً مما كنت تظن …
تعلمت أن النجاح ليس دائما في النتيجة ، بل في المحاولة نفسها …
في أن تنهض بعد كل سقطة ، في أن تحتفظ بحلمك حيا حتى لو بدا بعيدا …
تعلمت أن الناس ليسوا دائما كما يظهرون لنا …
البعض يرحل في هدوء ، والبعض يترك جرحا ، والبعض يتحول إلى ذكرى عابرة …
أدركت أن الحياة أشبه بمسرح ، يدخل فيه أشخاص جدد مع كل فصل جديد ، ويخرج منه آخرون بلا رجعة ، ف لكل منهم دور و وقت محدد …
أدركت أن الخسارة جزء من المكسب بل جزء من الحياة نفسها ، وأنها ليست دائما نهاية الطريق …
أصبحت أكثر حرصا في إختيار الأشخاص الجدد و من سيأتون لاحقا …
فليس كل من يبتسم لي صديقا ، وليس كل من يقول إنه يحبني صادقا …
أصبحت أبحث عن الأفعال أكثر من الكلمات ، وعن النوايا الصادقة أكثر من الوعود البراقة …
تعلمت أن أكون صادقا مع نفسي أكثر …
أن أقول “لا” عندما أحتاج لذلك ، أن أضع حدودا للآخرين ، وأن أعتني بنفسي كما أعتني بالآخرين …
تعلمت أن الخوف من الفشل أسوأ من الفشل نفسه ، تعلمت أنه كلما أصبحت أكثر جرأة على المحاولة كلما أصبحت أقوى …
تعلمت أن السعادة ليست هدفا بعيدا ، بل هى لحظات صغيرة ، و أن كل ما علينا هو أن نتعلم كيف نستمتع بها …
تعلمت ألا أضيع وقتي على أشياء لا تهمني ، أو أشخاص لا يقدرونني …
تعلمت بأن أعيش بالطريقة التي تجعلني سعيدا ، وليس بالطريقة التي ترضي الآخرين عني …
تعلمت أن هناك أشياء أو أشخاص لابد من وضع نقطة لهم في نهاية السطر لأبدأ من جديد …
و أن هناك أشياء نضع بعدها فصلة و نكمل معها الطريق …
تعلمت أن كل عام جديد يأتي
بفرص و بداية جديدة …
و أقتنعت بأن أتعلم من الماضي دون أن أعيش فيه ، و ألا أبقى عالقا في ذكرياته …
بأن أبدء بصفحة بيضاء ، لا تحمل أي من أخطاء الماضي ، ولا أي من خيباته … فقط أحلام وفرص أعمل على تحقيقها…
في النهاية …
كشف الحساب ليس مجرد تقييم لما مضى ، بل هو خارطة طريق لما سيأتي …
هو فرصة لنضع الأمور في نصابها الصحيح …
لنقرر ما نريده وما لا نريده …
بأن نفكر في الحياة كرحلة …
كل عام فيها هو محطة نتوقف عندها لنلتقط أنفاسنا ، ونجمع شتاتنا ، ونقرر كيف نكمل الطريق …