مني النمر تكتب: حين تباع الأوطان … “سوريا”

في كل مرة نقلب فيها صفحات التاريخ ، نجد أن ما يحدث اليوم ليس إلا إعادة عرض هزلي لما حدث بالأمس …
سوريا اليوم تعيد المشاهد ذاتها التي رأيناها في العراق ، ليبيا ، واليمن …
نفس السيناريوهات ، ذات الفاعلين ، ونفس النهايات الحزينة التي تسطرها المصالح السياسية ، والمؤامرات الخارجية ، مع فارق بسيط …

اختلاف الأسماء ، لكن يظل التعلم من الدرس غائبا …

فأصبحت مشاهد الدمار والدماء عنوانا للحياة اليومية في سوريا و المنطقة ، لا يمكن لأحد أن ينكر أن ما يجري هو أزمة إنسانية حقيقيه ، قبل أن تكون أزمة سياسية أو عسكرية …
حين تستباح الدماء بحسب العرق أو الديانة أو إغتصاب للأرض …

لسنا هنا لندافع عن نظام بشار الأسد ، أو لنبرر استبدادا أو قمعا كان موجوداً …

لكننا أيضا لسنا مع أن تتحول سوريا إلى ساحة تناحر بين قوى عالمية وإقليمية لا هم لها سوى تحقيق مصالحها ، ولو كان الثمن هو تمزيق شعب بأكمله …

ما يؤلم حقا هو أننا نكرر ذات الأخطاء …

ألم نتعلم من العراق ، حين غيبت الدولة باسم الحرية والديمقراطية المزعومة ، لتحل محلها فوضى و انتقاص للكرامة والسيادة …!!؟
ألم تكن ليبيا مثالاً صارخا على أن التدخلات الخارجية لا تجلب سوى التشرذم و الحروب الأهلية …!!؟
ألم تخبرنا اليمن أن كل يد تمتد باسم المساعدة تخفي خلفها أجندة تمزيق وإضعاف للدولة …!!؟

سوريا اليوم ليست إلا جزء من سلسلة طويلة من إخفاقات المنطقة في أن تحمي أوطانها من التدخلات الأجنبية والإرهاب المسلح الذي غالبا ما يتم استخدامه كوسيلة لتحقيق مصالح سياسية لدول بيعينها …
عن طريق الجماعات المسلحة التي دعمتها هذه الدول ذات يوم لتكون أداة تحقيق اطماعهم السياسية تحت مسمى “المعارضة و الديمقراطية” …

و من الأشياء المبكية المضحكة ، حين يصبح مشهد الإستيلاء على جبل الشيخ في سوريا ، كغنيمة حرب لإسرائيل …
والعالم يتغاضى أو ربما يبارك …
بل وتقام الأفراح و الاحتفالات على تحرير سوريا من الاستبداد …!

اى احتفالات هنا و قد دمرت إسرائيل
الأسطول السوري كاملا من … “فرقاطات ، كورفيدات ، زوارق ، سفن ” …
أى احتفالات مع
ضرب القواعد العسكرية جميعها و المطارات العسكرية …!!

لقد أصبحت سوريا ، قصة لمأساة طويلة …

عنوانها تدمير وطن ، و سحق تراثه وتاريخه من أجل شعارات زائفة أو مصالح خفية …
موزعا بين أحلام هؤلاء وأطماع أولئك …

لقد فقدت سوريا شيئا عظيما…
فقدت قدرتها على أن تكون وطن لكل أبنائها …

و كيف لوطن أن يصمد و شعبه ينقسم ما بين أطراف خارجية ، و أخرى داخلية متناحرة ، السلاح هو لغتها الوحيدة للحوار …

فهل ما نشعر به الآن حزن …!!؟
أم هو مزيج من الغضب والإحباط والعجز …!!؟
أو ربما هو كل هذا وأكثر …

نغضب لأن هناك من يسعى و يغذي هذا الخراب ، لكي يستفيد منه ، يحوله إلى فرصة للاحتلال ولنمو مساحة و حدود دولته …

إن ما يحدث في جبل الشيخ اليوم ، من الاحتلال الإسرائيلي السافر ، ليس إلا صفحة أخرى من كتاب يتكرر منذ عقود …
عبر …
احتلال أجزاء من الأراضي العربية دون وجه حق … مجرد سيناريو متكرر ، يتم تجاهله في كل مرة …

كيف لنا إذا أن نؤمن بوعود القوى الكبرى التي تقول إنها تدعم الديمقراطية والسلام ، بينما سجلها حافل بنشر الفوضى و إغتصاب الحقوق … ؟

و ما رأينا منها إلا إنها أداة لإشعال الحروب الأهلية ، وتمويل الجماعات المسلحة ، وتدمير البنية التحتية للدول …
بدعوى أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مستقبل أفضل …

أى مستقبل هذا …!!؟

فل نقف وقفة جادة مع أنفسنا لعلنا نجد حلا لوقف هذا النزيف من الدمار و ضياع دولة تلو الأخرى …

و رفض التدخلات الخارجية مهما كانت مسمياتها …
علينا أن نفهم أن الحرية والديمقراطية لا تأتي على دبابة أجنبية ، ولا تبنى على أشلاء الأوطان …

سوريا ليست مجرد قضية سياسية ، بل هي رمز لمعاناة الإنسان حينما يصبح ضحية للطمع والجشع …
و لعلها تكون بمثابة تنبيه لكل دولة عربية ما زالت واقفة على قدميها ، بأن لا أحد بمنأى عن الخطر ، وأن المصير قد يكون مشتركا إذا لم نتحد …

التاريخ لا يرحم أو ينسى و سيسجل كل من خان و باع و تآمر …
و سيشهد أيضاً أن مصر حذرت مراراً ، من هذا المصير ، بأن مدت يدها للجميع
عبر استضافة قمم تجمع بين الفرقاء ، أو من خلال رسائلها التي تدعو على الحوار ، و بأن الوحدة هي السلاح الوحيد الذي يمكن أن يواجه ما يحاك للمنطقة من خطط تقسيم و تدمير …

فهل نتعلم مما حدث …؟
أم أن الأوطان ستظل تباع و تشترى ، ونحن نشاهد بصمت …!!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى