مني النمر تكتب: العدالة الغائبة …!!
كان في قرية صغيرة تقع على أطراف نهر صافٍ بين الجبال ، عاش قومها محبون للسلام …
كانوا يسكنون تلك الأرض منذ الأزل ، يزرعونها و يحافظون عليها ، ويتوارثون حكايات أجدادهم الذين ناضلوا للبقاء على تلك الأرض الطيبة …
رغم حياتهم البسيطة ، لم تكن أرواحهم تعرف السكينة ؛ فقد كانوا يعيشون وسط تهديد دائم من قوى تطمع بأرضهم الخضراء …
وفي ليلة من الليالي ، حلَّ ضباب كثيف على القرية ، تلاشت في طياته أصوات الطبيعة المعتادة ، وبدلا منها ارتفعت أصوات غريبة وغامضة قادمة من خلف الجبال …
قيل إن هذه الأصوات تعود لجيوش مجهولة زحفت على الأرض لاختطافها من أهلها الأصليين …
فزع السكان ، وحاولوا بكل الطرق أن يفهموا تلك الأصوات الغريبة أنهم المالكون الوحيدون لتلك الأرض ، لكن اكتشفوا أن كلماتهم و صياحهم لم يكن غير صدى لا أحد يسمعه غيرهم …
و أتى الغزاة …
في ليلة مظلمة ، ظهر جيش قوي يزحف نحو القرية ، وأعلن قادته أنهم جاءوا لتعليم القرويين “السلام” و”الازدهار” …
لكن كلماتهم لم تكن سوى شعارات واهية ؛ فما كان يسعى إليه ذلك الجيش في الحقيقة هو الإستيلاء على الأراضي والموارد ، ضاربين عرض الحائط بمشاعر وأرواح السكان الذين عاشت أجيالهم في تلك الأرض الطيبة …
اجتمع أهل القرية في الساحة الكبيرة ، وهم يرون الأرض تسحب من تحت أقدامهم دون أمل في الإنقاذ …
وحين صعد كبير القرية ، ليخاطبهم ، قال بصوت مليء بالأسى: “لا تخدعكم شعاراتهم …
هم يرفعون شعار السلام بأيديهم ، لكن قلوبهم تنبض بالغدر و العدوان …
ظنوا أننا سنخضع لهم بسهولة ، و لكننا نعلم ما يخبؤن من غدر و مكر كبير ، سنقف معًا ؛ هذه أرضنا ، ومهما طال الزمن ، لن تسقط في أيديهم …
بدأ القتال ؛ الرجال والنساء وحتى الأطفال ، الكل وقف متحدا للدفاع عن أرضه ، ورغم أن قواهم لا تقارن بقوى الغازين ، إلا أنهم اعتمدوا على عزيمتهم وإيمانهم بأن الحق لا بد أن يسترد مهما طالت المعاناة …
وفي كل مرة كانوا يتجرعون فيها الخسارة ، كانوا ينهضون من جديد ؛ فلم تكن خسائرهم إلا وقودًا يشعل إصرارهم بعدم الاستسلام …
ولكن الغزاة كانوا أذكى مما توقعوا ؛ أدركوا أن القرويين لا يمكن كسرهم بالقوة ، فقرروا تدمير القرية تدريجياً ، و زرع الفرقة بينهم …
و تركوا الدمار خلفهم ليحطموا آمال أهلها ويجبرونهم على الخضوع و ترك الأرض لهم …
بعد سنين من الكفاح ، وقف القرويون مرهقين أمام ما تبقى من قريتهم المحطمة … رأى الحكيم الدمار حوله ، لكنه لم ييأس ، فنادى أهل القرية وقال: “لقد انتصروا علينا اليوم ، لكن لن نكف عن النضال …
سنعيد بناء القرية ، حتى لو استغرق الأمر سنوات، وسنواصل النضال لنستعيد ما هو حق لنا” …
وفي لحظة شجاعة قرر بعض شباب القرية أن يذهبوا ليتحدثوا مع قادة العالم من
“المدافعين عن حقوق الإنسان” ، أملاً في مساندتهم واستعادة أرضهم بالعدل …
اجتمعوا مع ممثلين كبار من دول بعيدة ، واستمعت تلك الدول لشهاداتهم عن الظلم الذي تعرضوا له و ابناءهم الذين قتلوا والدمار الذي شهدوه …
وأخذت تلك الدول تتحدث عن …
“قوانين حقوق الإنسان”
و
“أهمية احترام الأراضي والحقوق” …
لكن …
سرعان ما اكتشف القرويون أن تلك الوعود كانت مجرد كلمات …
فالقوى العظمى كانت لها مصالح مشتركة مع الغزاة …!!
وأدرك القرويون أن “العدالة” المزعومة كانت مجرد أداة تُستخدم حسب المصلحة …
رجع الشباب إلى القرية ، وقد خاب أملهم في تحقيق العدل عبر المساعدة الدولية …
حين وصلوا، قال أحدهم وهو يصرخ بألم:
“كيف ينادون بالحقوق والسلام وهم يمدون أيديهم للغزاة …!!؟
أين وعودهم بالعدل و المساواة …!!؟
تقدم الحكيم … قائلاً بحكمة: “يا أبنائي ، لطالما كانت الحقوق لا تُسترد بالكلمات ، ولا بد لنا أن نملك القوة والتعقل معاً … نحن نحتاج أن نعتمد على أنفسنا ، وألا ننتظر من أحد أن ينقذنا …
و علينا أن نعلم أن قوتنا في وحدتنا ، وأن الإنقسام بيننا كان السبب في خسارتنا …
فعزموا أن تكون قلوبهم على قلب رجل واحد ، و غلق كل باب قد يتسلل منه الغدر أو الفرقة …
و أكمل قائلاً : لقد علمناهم دروساً في الصمود ، وهم يخشون منا أكثر مما نعلم …
سنعيد بناء القرية بأيدينا ، ونواصل الكفاح ، فالأرض لن تعود إلا بأهلها ، ولن يحافظ عليها إلا أبناؤها …
و لم تنتهى قصة القرية بعد …
و سيظل سؤال أهل القرية …
هل سيصبح للعدل صوتا يسمع …!!؟
و هل سيأتي اليوم التى تنال فيه القرية حريتها و استعادة أرضها …!!!؟