محمد مطر: “ناسك”
مهزلة كبرى أن ترى حلمًا كبيرًا يقودك إلى ساحة يخبرك شيخها الأكبر بأن العالم قد خلق فجرًا، وسينتهي فجرًا، فلا تقبض على شيء، ودع كل شيء يذهب…
ما هذا…
خلق العالم فجرًا وسينتهي فجرًا فلا تقبض على شيء ودع كل شيء يذهب!!!!
وما هي إلا برهة من الزمن حتى رأيت ناسكًا في ساحة العاشقين وبطرف عينٍ ماكرة، كان قد اكتشف حيرتي التي أردت أن أخفيها ولم أستطع، فتوجه إليَّ وقال يا أخي إن لي سؤالًا أخصك به وأقذف به روحك، بعد أن لوثت الحداثة أذهانكم وأهلكتكم الطرق التي قطعتموها ولم تبلغوا نهايتها بعد، وما عاد لكم من نفس أطول لمقاومة الزمن، هل أبناء الرجل الصالح من اليتامى كانوا يعلمون أن الجدار سيهدم؟!
فقلت لا
وأن الله قد أرسل رسوله ليبنيه لهم؟!
فقلت لا
وهل فهم نبي الله موسى السر من بناء الجدار قبل بنائه؟!
فقلت الجواب على كل هذه الأسئلة قطعًا لا…
فقال من كان وحده من البشر يعلم كل هذا؟
فقلت الخضر.
فقال الدرويش.. أتعلم لماذا؟!
فقلت لأن له علمه الخاص، ويختلف عن علمنا نحن البشر القائم على الأسباب، ويختلف أيضًا عن علم الأنبياء القائم على الوحي.
فقال ليس هذا فحسب… بل لأن الملائكة تكمن في التفاصيل، وهكذا لطف الله الخفي بأبناء الرجل الصالح، الذي لم تراه ولن تراه، لأن لطف الله الخفي أكبر من قدراتك العقلية ولن تصبر على التناقضات التي تراها في حياة البشر…
سكت عنه…
ثم قال مجددًا.. بعد أن ربت عليَّ لم جئت إلى هنا؟
أجئت تجدد آلامًا نسيناها على الطريق بعد أن استقام لنا قليلًا!!!
لم أكن أجهل حقيقة مغزاه من سؤالي لكنني مارست الجهل عمدًا علني أستقي منه خبرًا أكيدًا…
ساد صمتي
وتلفت حولي فلم أجد الشيخ الأكبر…
وإذا بالناسك قد أمسك بتلابيبي وهزني هزًا، وأعاد السؤال… لم أتيت إلى هنا!؟؟!
فقلت.. إنني لا أريد الاستمرار في الماضي.. بل أريد أن تستمر حياتي وأنا بصحة جيدة لهذا أتيت إلى هنا.
فقال.. وهل تعلم حق المريض وواجب الطبيب؟
إن هذا الناسك جعلني أتصالح مع كون أن بعض الشعور لا بوح يوفيه ولا حرف يكفيه…
وإلى لقاء إن قدر الله لنا البقاء…