فيلم “حماس”.. هوليود تصبغ التراث الإنجليزي بالرأسمالية الأميركية

كتبت/ ميرا فتحي

تزامنا مع موسم نهاية العام ورأس السنة، صدر أخيرا الفيلم الأميركي “حماس” (Spirited) من بطولة ريان رينولدز وويل فاريل وأوكتافيا سبنسر، على منصة “آبل تي في بلس” (+Apple TV)، وهو من إخراج شون أندرس. وهو معالجة عصرية لقصة تشارلز ديكنز الشهيرة “ترنيمة عيد الميلاد” في شكل فيلم غنائي راقص.

رواية “ترنيمة عيد الميلاد”، التي نُشرت عام 1843، مثل الكثير من أعمال ديكنز الكلاسيكية، تم تقديمها في وسائط أخرى مئات المرات، سواء السينما أو المسرح أو برامج الراديو، وكان لها في كل مرة هيئة مختلفة، ولكن في فيلم “حماس” الجديد نراها وقد صبغتها الرأسمالية الأميركية.

ترنيمة عيد الميلاد الأميركية

تدور أحداث “ترنيمة عيد الميلاد” حول رجل بخيل مقيت، يدعى سكروج، يرفض مساعدة الناس حتى في موسم رأس السنة الذي تنتشر فيه روح المحبة. وفي إحدى الليالي، وخلال نومه يلتقي 3 أشباح، أحدهم يريه الماضي، والثاني الحاضر، والثالث المستقبل، ليتعرف على أفعاله الماضية ونتائجها الحالية وكيف سيموت وحيدا منبوذا بسببها، الأمر الذي ساهم في تغيير سلوكه جذريا.

في فيلم “حماس” تبدأ القصة من الأشباح الثلاثة الذين ينتمون إلى مؤسسة عملاقة تستهدف اختيار شخص جديد كل عام لتغيّر من حياته، وهذا العام يختار شبح الحاضر رجلَ أعمال شابا، يدعى كلينت، يعمل في مجال التسويق، ويستخدم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي للإيقاع بخصومه التجاريين وإثارة الجدل والمشاحنات.

ويبدو كلينت بطبيعته المستغلة حالة مستحيلة للأشباح الثلاثة، إذ كونه إنسانا “عصريا” لا تخيفه عواقب أفعاله المستقبلية أو الوحدة جراء النبذ، فهو بالفعل وحيد في مواجهة مواقع التواصل الاجتماعي.

و”ترنيمة عيد الميلاد” قصة إيجابية في الأساس، عن التكافل والمحبة بين الطبقات المختلفة، وطيبة القلب التي يحتاجها العالم، خصوصا في نهاية العام. ولكن فيلم “حماس” تناول الموضوع من زاوية أخرى، وأثار السؤال التالي “هل يمكن أن يتغير الإنسان بالفعل؟”. فكلينت الذي كان عليه الدور للتغير هذا العام، بدأ في التأثير بشكل عكسي على الأشباح الثلاثة، وخصوصا شبح الحاضر الذي يعاني من أزمة وجودية؛ هل هو بالفعل يؤمن بالتغيير أم لا؟ وهل سيظل في مهنته هذه طوال الوقت، أم سيعود إلى الحياة كبشر فان مرة أخرى؟

وبالتالي، تحولت القصة ذات القيم الإيجابية إلى فيلم أميركي عادي يُعلي من قيمة الإنسان الفرد ومصلحته الشخصية، وذلك حتى قبل نهايته بـ10 دقائق عندما حاول صانعو الفيلم إعادته مرة أخرى إلى المسار الصحيح حتى يصلح ليكون فيلما.

فيلم لرأس السنة فقط

يشهد الفيلم لقاء بين اثنين من أكثر الممثلين شعبية في الوقت الحالي، ريان رينولدز الذي فتح صفحة جديدة في مسيرته الفنية مع بطولته لفيلم “ديدبول” (Deadpool) عام 2016، وويل فاريل الذي حافظ على سمعته كممثل كوميدي عابر للأجيال استطاع الاستمرار في الحفاظ على مستواه على مر عقود.

ارتكز الفيلم على الكاريزما الخاصة بهذين الممثلين، وقد حاول ويل فاريل الخروج من نطاق الكوميديا المعتادة منه والتي تميل إلى الهزلية بشكل كبير، ليقدم شخصية تجعل المشاهد يتعاطف معها. في المقابل، ظل ريان رينولدز أسير الشخصية العملية السريعة الكلام، والتي تُخرج الكوميديا من صلفها وغرورها، وهو الأسلوب الذي لم يخرج عنه سوى في فيلم “فري غاي” (Free Guy).

ولكن نقطة تألق الممثلَين، والتي أخرجتهما من منطقة الراحة، كانت طبيعة الفيلم الغنائية الراقصة، فهي جددت في تناول القصة التي سبق تقديمها مرارا على الشاشة، كما قدمت ريان رينولدز وويل فاريل في أداء حركي مميز، خاصة بعض التابلوهات الراقصة مثل مشاهد ما قبل النهاية، ومشهد لندن القديمة.

وتحظى أفلام رأس السنة بشعبية في السينما الأميركية، كونها خفيفة عموما، ويغلب عليها الطابع المرح، وبالتأكيد النهايات السعيدة قدر الإمكان، وتنتج وتعرض بكثرة ولا يبقى منها في الذاكرة سوى عدد محدود يمكن أن تعاد مشاهدته بعد سنوات من العرض الأول، بينما غالبيتها أعمال للاستهلاك مرة واحدة فقط. وتقدم المنصات الإلكترونية، مثل “نتفليكس” وغيرها، كل عام أفلاما عدة من هذا النوع، وفيلم “حماس”، الصادر عن “آبل تي في بلس” بنجومه الكبار وإنتاجه الضخم نسبيا، رهان ناجح من المنصة على فيلم سيجلب المشاهدات لسنوات مقبلة بتجديده في معالجة القصة الكلاسيكية.

ولكن عاب الفيلم طوله الذي تجاوز الساعتين، فضلا عن تكرار الكثير من المشاهد ذات المعنى نفسه من دون تحريك الحبكة إلى الأمام، الأمر الذي لا يتناسب مع فيلم عائلي للعطلات.

إن أفلام رأس السنة ونهاية العام يجب ألا تكون مثالية، بل بعضها احتفظ بأهميته وتكرار مشاهدته على الرغم من تواضعه السينمائي. وميزة هذه الأفلام تكمن في قدرتها على تحسين الحالة المزاجية للمشاهدين، وأنها تصلح للعائلة بأكملها، وهو ما استطاع فيلم “حماس” تقديمه فعلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى