الإعلامية داليا شوقى تكتب: حب الوطن
حب الوطن دائمًا ما يتذكّر الإنسان حنينه إلى وطنه عندما يُفارقه ولو كان فيه لما قيلت قصيدة في حب الوطن، وليالي الشتاء الباردة الطويلة تلعب لعبتها في الذاكرة؛ إذ غالبًا ما يرتبط الحنين بالصمت والبرد والوقت الطويل، الوطن هو تلك الوردة الحمراء التي اكتست بذلك اللون من دموع المغتربين الذين يقضون الليالي في تسطير آلامهم وأحزانهم التي لا يستطيع احتضانها سوى ذلك الورق الأبيض الذي يتجعد من أثر الدموع في آخر تلك الليلة التي لا تفقه من الحنين إلا ما ترى آثاره شاخصًا بين يديها على هيئة أناس عانوا من الاغتراب عن أوطانهم.
ولو أردت أن تعرف معنى حب الوطن فما عليك إلا أن تذهب لترى ذلك عيانًا عند الأطفال الذين سطروا الوطن على شكل أم يتنعمون في أحضانها حتى إذا ما كبروا منهم من تنكر لذلك الحضن وبدأ بنسب نفسه إلى امرأة غير أمه؛ لأنَّها قدمت له حلوى لا تستطيع أمه الأصلية أن تقدمها له، لكن تراها لو انتهت تلك الحلوى من بين يدي ذلك الطفل المدلل هل سيعود إلى أمه الأصلية؟ وتراها هل ستستقبله بعد ما بدر منه من جحود قاسٍ وقلة اعتراف بالحب والمعروف؟
ترى هل الوطن هو فقط كومة من التراب يتحسر الإنسان عليها بين الحين والآخر أم أنَّ الوطن أكبر من ذلك بكثير؟ الوطن هو ليس فقط رمال ولو كان ذلك فما أكثر الرمال أينما ذهب، الوطن هو الانتماء إلى تلك البقعة الصغيرة على الخريطة الكونيَّة التي شاء القدر أن ينتسب إليها ذلك الإنسان الضعيف، الوطن هو الوحيد الذي يرافق الإنسان أينما كان وحيثما ذهب، فلو كان في الطائرة لسألوه من أين أنت، ولو كان في القطار لدلَّت ملامحه على البلد التي ينتمي إليها، ولو جاع لاختار أقرب مطعم يقدم الأكلات التي اعتاد أن يأكلها في وطنه.
عندما يكبر الأولاد في مكان غير وطنهم لن يستطيعوا ن يكنوا لأوطانهم أيًّا من المشاعر، ولكن ترى كيف سيكون أثر غياب حبّ الوطن عندهم، هل تراهم لا يكنّون المشاعر لأبيهم وأمهم؛ لأنَّ مَن فقد الحب الكبير وهو حبّ الوطن فقد حب كلّ شيء، ولو رغبتهم في حبّ الوطن تراهم كيف سيحبّون شيئًا لم يألفوه؟كيف سيحبّون الوطن وهم لم يتربّوا على دخان مدافئه في الشتاء، ولم يروا أشعّة شمسه وهي تتسلّق الجدران مع كلّ صياح ديك في فجر يُنير الأرض ومن عليها وما بها.
ترى لو شَتم أيّ أحد من النَّاس الوطن أمامهم هل سيُدافعون عنه أو سيدافعون عن الأرض التي أكلوا من خيراتها وشربوا من مائها وترعرعوا في حداثتها! إنَّ أهميّة الدفاع عن الوطن لا تقل عن أهميّة حبّه ولا عن أهميّة العيش في كنفه، إن الوطن يحتاج إلى رجال يقيمونه على أكتافهم ويلتجئ الوطن إليهم في ساعة العسرة كالتجاء الأم إلى أطفالها عندما يكبرون وتريد أن تحتمي بهم من قسوة الحياة.