شريف ربيع يكتب: بين موسى وفرعون
نعيش في حيواتنا قصصَ غدرٍ وكذبٍ وخداع لا تنتهي، تؤثر فينا على مختلف الأصعدة (النفسية، والروحية، والعقلية، والاجتماعية، و…)، ويقصُّ علينا القرآن الكريم دومًا قصصًا مثمرة ونماذج ينبغي أن نتعلم منها، ونأخذ منها الدروس والعبر، ونقرأ من خلالها ما نواجهه ونتعامل معه.
من تلك قصة لا بد أن تُتخذ نموذجًا في الكذب والتضليل المتعمَّد وتغيير حقائقَ الأمور؛ فقد قال فرعون لموسى عليه السلام: «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ» (الشعراء: 19)، يقصد بها قتله القبطي (وكلمة قبطي تعني المصري أيًّا كانت ديانته) حينما استغاثه (أي: طلب مساعدته) الذي شيعته (أي: من أهل موسى وشيعته)، على الذي من عدوه (أي: من أعدائه وهم قوم فرعون)، فوكزه موسى فقضى عليه (أي: قتله)، والوكز: هو الضرب بمجمع اليد، أي لكمه بكفه، وكان موسى قويًّا ولم يُرِدْ قتله بل أراد دفعَه فقط عن ذاك الرجل، لكنه مات من قوة ضربته عليه السلام.. «وَأَنتَ مِنَ الكافرين» (أى: وأنت من الجاحدين المنكرين لنعمتى عليك فى طفولتك وصباك وشبابك؛ فقد جئتنى أنت وأخوك بما يخالف ديننا وعاداتنا، وطلبتما منا إرسال بني إسرائيل معكما، وقتلت واحدًا منا أيضًا.. فهل هذا جزاء الإحسان؟!
فرعون الذي استبقى موسى لديه رعايةً لرغبة زوجته، وألقته أمه في اليم خوفًا عليه من بطشه، وكان يقتل الأطفال بِنَاءً على نبوءة عَرَّاف حتى لا يأتي منهم من ينازعه في ملكه مستَقْبَلًا- يقلب الحقائقَ ويعيِّر موسى (عليه السلام) بقتله رجلًا خطأً، ويتغافل عما كان يفعله هو من القتل والموبقات وقتما شاء وكيفما شاء.. وهكذا يفعل كل كذاب خبيث أفَّاك مارق على مَرِّ العصور، وصفحاتُ التاريخِ ملأى بالعديد من النماذج، لكنْ هيهاتَ هيهاتَ وما يريدون؛ فمن ذا يحجُب شعاعَ الشمسِ بيديه؟!
ثم يتمادى فرعون في طغيانه وكذبه ظنًّا منه أن أحدًا لن يكشف أمرَه ويفهم مرادَه من أول وَهْلة؛ وتتوالى الأحداث حتى يُفْصِحَ عن مرادِه أخيرًا فيقول: «ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ» (غافر: 26)، أي: دعوني أقتل هذا الذي يريد تغييرَ دينِكم وإظهارَ الفسادِ في الأرض، وليدع ربه كما يشاء كي يخلِّصَه من أيدينا! (قَلْبُ حقائقَ وتشويهٌ متعمَّدٌ وتهيئةٌ للعقل الجمعي حتى يصل إلى نهاية مراده، وهو قتل موسى عليه السلام؛ لأنه يراه خطرًا على جاهه وملكه وسلطانه.. وهكذا يفعل الكذابون الخبثاء في كل عصر من إرادة القتل بنوعيه المادي والمعنوي لكل من يظنون -بحقدهم وحسدهم وسوء طَوِيَّتِهِم- أنه يقف عائقًا في طريقهم، والمعنوي أكثر في عصرنا).. لكن يأبى الله إلا أن يتمَّ نورَه ولو كره الأفَّاكون.
شركٌ في حق المولى عز وجل، وتكذيب برسالته، وكذبٌ وتجبرٌ واستكبارٌ على خلقه.. لكنَّ العجيبَ حقًّا: أموسى هو الذي سيظهر الفسادَ في الأرضِ يا فرعون؟!