شريف ربيع يكتب: التفاؤل
ما أجمل أن يستيقظ الإنسان من نومه على خبر سعيد، أو ابتسامة صافية، أو دعابة لطيفة؛ كي يبدأ يومه بفرح وسرور، ويواصل أعماله بسعادة وراحة بال.
فنحن في حاجة ماسة إلى تلك الطاقة الروحية التي تجعل المرء ينظر نظرةً إيجابية لمختلف أمور الحياة، مهما حدث، ومهما كانت الظروف؛ بحيث يتوقع الخير، ويحسن الظنَّ بالله سبحانه وتعالى في كل شيء. وهذا ما يطلق عليه “التفاؤل”.
وأقوى وأصدق تفاؤل، حينما يمتزج بقوة الإيمان وتمام التوكل على الله تعالى؛ أي أنه مهما حدث من مصائب وابتلاءات لا أنظر إلى الأمور بطريقة سلبية، بل المفترض أن أنظر إلى الجوانب الإيجابية من هذه الأحداث.
فمثلًا: كنت أحب معلمًا في المدرسة، وارتبطت به وبطريقة شرحه، ثم انتقل هذا الأستاذ إلى مكان آخر. هل أيأس ولا أذاكر أو أنقطع عن المدرسة؟ لا، بل ربما جاء من هو أفضل منه، وربما أحبه وأتعلق به أكثر من الأول. وهكذا في أي أمر، لا أنظر إليه على أنه مصيبة، بل دائمًا أتوقع الخير.
عندما مرض نبي الله أيوب عليه السلام، وزاد عليه البلاء حتى استمر سنوات طويلة، لم ييأس من رحمة الله سبحانه وتعالى، بل كان موقنًا بأن الله سيستجيب دعاءه ويشفيه. وهو ما حدث بالفعل فقد استجاب الله دعاءه وشفاه تمامًا كأنه لم يمرض من قبل.
ونبي الله يوسف عليه السلام، ألقاه إخوته في البئر كي يتخلصوا منه لأن والدهم كان يحبه أكثر منهم، ثم أخذه أناس آخرون وباعوه في سوق الرقيق؛ واشتراه رجل آخر وأصبح يوسف عبدًا عنده. ثم دارت الأيام وسجن يوسف –عليه السلام- ظُلمًا؛ لكنه كان متيقنًا من نصر الله تبارك وتعالى له، وقد حدث ذلك فعلًا، بل إنه أصبح بمفهومنا في العصر الحديث “وزير المالية في مصر”. وقد أذل الله -عز وجل- إخوته حتى إنهم أتوه يطلبون الصدقات منه!
كيف نصل إلى هذه المرحلة من النظرة الإيجابية للأمور؟
من خلال التأكد من أن الله تعالى يريد لنا الخير في كل شيء، وأنه يؤيد عباده وينصرهم. وعن طريق الأخذ بالأسباب أيضًا، لكن لا بد من الانتباه إلى أمر مهم هنا، وهو معرفة أن الأسباب في حد ذاتها لا تضر ولا تنفع إلا بإرادة الله تعالى.
عندما كانت السيدة مريم –عليها السلام- في لحظات ولادة نبي الله عيسى عليه السلام، طلب الله تعالى منها أن تهز جذع النخلة التي كانت تجلس بجوارها؛ كي يتساقط عليها الرطب فتأكل منه وتتغذى، قال تعالى: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم: 25). انتبه.. هل مريم تستطيع أن تهز النخلة؟ لا.. إذن فلماذا أمرها الله بذلك؟ أراد أن يعلمها وجوبَ الأخذ بالأسباب، وأن تترك النتائج فقط عليه تبارك وتعالى.. وهذا هو حسن الظن بالله تعالى، وهو التفاؤل حقًّا.