شريف ربيع يكتب: “بين قلبٍ وعقل”
كثيرًا ما يتصارع القلبُ والعقلُ؛ فيلجأ القلب لعاطفته وحبه، ويُفاخرُ العقل بمنطقيته وعمليته.
وذات يوم تبختر العقلُ وأراد أن يداعبَ القلبَ ويشاكسَه فقال له: أنت لا تفهمُ في الحب.
فرد القلب مغضبًا (وقد تحقق غرض العقل): أنا لا أفهم في الحب؟! بل أنا الحب نفسه.
فضحك العقل وقال: إذن أين حبيبك؟ لماذا غادرك؟
فقال القلب: حدثت أمور أنت لا تفهمها.
العقل: حدثت أمور أم أسأت التصرف بعاطفيتك كعادتك؟
القلب: قلت لك أنت لا تعلم شيئًا، حدثت أمور رحل على إثْرها.
العقل: وهل حاولت الحفاظ عليه أم غضبتَ بعاطفيتك كالعادة وزَمْجَرْتَ كالأطفالِ واتخذتَ الجانبَ الآخر وتركتَه يرحل؟ أسمعتَه وأعطيتَه فرصةً كي يوضحَ موقفَه؟
القلب: سمعتُ عنه، ولا عذرَ له عندي.
العقل: فاسمعني إذن.. سمعتَ عنه وأتحتَ الفرصةَ لكلِّ أحدٍ كي يتكلمَ إلا هو، سمحت للسفهاءِ وشياطين الإنس والجن (حتى إن كانوا أقربَ الناسِ إليكَ- زعموا) للدخول بينكما ولم تعْطه فرصةً ولو مرة واحدة لمجرد الكلام.. (تذكر ذلك جيدًا).. (فما بالك وأنتَ تعلم يقينًا أنه لا يُعطي سرَّه لأحدٍ مهما كان، وحقيقةُ أي شيءٍ يخصه عنده وحده فقط؟!)ً
القلب: هو لا يحبني.
العقل: وما أدراك؟
القلب: فلماذا تركني إذن؟
العقل: فَتِّشْ في نفسك أولًا.. وعلى فرض أنه لا يحبك فَلِمَ تتمسك بحبه حتى الآن؟
القلب: أنا واثق أنه يحبني.
العقل: 😂 حيرتني معك.. لعله لا يحبك حقًّا وأنت تعيش وهمًا وتتمادى في خطأِك، وإن كان الأمر كذلك فنصيحتي لك “لا تَعِشْ وهمًا ثم تحاسبُ الناسَ عليه”.
القلب: هو يحبني بالفعل وبيننا ذكرياتٌ وعمرٌ طويل.
العقل: إن كان الأمر هكذا فخذ مني هذه الكلمات:
– لعلَّ له عذرًا لا تعلمُه؛ ففضَّل الابتعادَ عنك كي تكمل حياتك بسلام، لكنك -مع كل أسفٍ- سادرٌ في غَيِّك، لاجٌّ في خصومتك؛ جعلتَ ابتلاءَه ابتلاءين، وألمَه ألمين، وعذابَه عذابين (الفِراق وسوء الظن). وربما احترق قلبه من أجلك وبكاك بأحرِّ الدمْعِ لكنه
لا يستطيع الاقتراب، كأنَّ “طَرَفَةَ” نَظَمَ هذا البيتَ له وحده دون سائر الخلق:
وأشـدُّ مـا لـقـيـت من ألـمِ الجـوى قُرْبُ الحـبـيـبِ ومـا إلـيـه وُصُولُ
ولعله جلس وحيدًا تفيض مَدَامِعُه، واستعارَ روحَ “شوقي” وشاعِريَّتَه فاستحالَ “أميرًا” يناجي الطيرَ من شرفته ويبثَّه همومَه ويقول:
أبُــثـُّـك وَجْـــدِي يــا حــــمـــام وأودعُ فإنك دونَ الطـيرِ للسر موضـعُ
وأنتَ معينُ العاشقينَ على الهوى تَئِنُّ فَنُـصْغِـي أو تَحِنُّ فنسمــعُ
– وربما أُهين منك أو ممن يقرِبُونك فصار بينكما حاجز لا يمكنه تخطيه، ومثله لا يُهانُ ما دام حبيبًا لك هكذا.. ولعله رأى منك ما لا يرضيه فغادر في صمت.. وربما لم تفهمه جيدًا فخسرتَه.
القلب: لم أفهمه.. كيف؟
العقل: لعلك لم تفهم شخصيتَه كما ينبغي ولم تُحْسِنِ التعاملَ معه؛ فربما كان روحانيًّا نورانيًّا قلبه معلَّقٌ بالملأ العلوي، وأنت متمسك بماديتك.. ولعله عقلاني فلسفي مغرقٌ في التفكُّر والتأمُّل في ماهيَّات الأشياء وما ورائيَّاتها، وأنت لا همَّ لك إلا الشعور بالحب فقط ولا تُحسنُ القولَ والفعل.. وقد يكون
رومانسيًّا حالمًا مثلك تمامًا لكنك تحبه كما تريد أنتَ لا كما يريد هو.. ولعله عَزَفَ عن أمور الحبِّ والارتباط مُطْلَقًا، وطلَّق الدنيا ثلاثًا، وأنت ما زلتَ تُؤَمِّل رجوعَه وعودَته.
وربما كانت حياته كما قال العندليب: “ضحك ولعب وجد وحب”، وأنت جادٌّ أو هاذلٌ طوال الوقت.
القلب: وما العمل بعد كل ذلك؟
العقل: كن عقلانيًّا بعضَ الوقتِ وعالجِ الأمرَ، أو دَعِ الذكرياتِ الجميلةَ جميلةً كما هي.