د. يسرا محمد سلامة تكتب: «كلوب» على الطريقة المصرية
منذ أنْ قدِمَ كارلوس كيروش لتدريب منتخب مصر، وهو يضع في تصوره اللعب بطريقة يورجن كلوب مع نادي ليفربول الإنجليزي، وهي في مجملها تعتمد على الهجمات من الجانبين، مع توظيف لاعبي خط الوسط في مركز صناعة اللعب، أو الهجوم حسب رؤيته للمباراة، وقد أثبت كلوب تفوقًا مُبهرًا في تلك الخطة، ونجح نجاحًا عظيمًا في نقل فكره وخطته التكتيكية للاعبين مباراة تلو الأخرى، لدرجة أننا أصبحنا نعلم من التشكيل الذي يُعلن عنه قبل المباراة، ما الخطة وكيف ستكون طريقة اللعب.
لكن تصور كيروش لهذه الطريقة وأنه سيتم تطبيقها بشكل صحيح، جانبه الصواب تمامًا؛ فمنتخب مصر ليس نادي ليفربول، وطريقة اللعب هذه لا تصلح مع المنتخب مطلقًا ولا مع طريقة اللعب الأفريقية التي تفشل معها أي هجمة طولية أو عرضية بسبب الأطوال التي تتميز بها قارتنا السمراء، ناهيك عن أسلوب اللعب في الدوري المصري؛ لأننا ببساطة لا نلعب بسياسة اللعب المفتوح الذي يعتمد على الاجنحة، بدليل عدم توفيقنا في الاعتماد على أجنحة متميزة مع المنتخب، وفي حال وجودها لا يوجد لها بديل كفء، أما عن خط الوسط فالمباريات السابقة في تصفيات كأس العالم سواء مع البدري أو كيروش، وضعت عليه علامات استفهام كثيرة وكبيرة.
ومن العرض السابق دعونا نُحلل طريقة الأداء وفق نظرية كلوب، ونقارن تلك النظرية بإمكانيات اللاعب المصري، لنرى بعدها هل يحق لـ كيروش الإصرار على هذه الطريقة مهما كلفه الأمر، أم أنّ عليه تغييرها في أسرع وقت حتى نتمكن من اللعب في شهر مارس مع أي منتخب ستضعه قُرعة ديسمبر أمامنا، ووقتها لن يهمنا ماهية هذا المنتخب؛ لأننا سنصبح جاهزين للعب ضده.
لدى كلوب في مركزي الجناح الأيمن والأيسر لاعبين من طراز عالمي، لديهما هما الاثنين قدرات هجومية كبيرة جدًا، بل وجناحه الأيمن هو أفضل ممرر لخط الهجوم في الدوري الإنجليزي بعرضياته الرائعة، إضافةً إلى قدرته العالية على التهديف من ضربات ثابتة، أمّا منتخب مصر، فـ لديه مشكلة عقيمة ليس لها حل في الأجنحة – رُغم تألق أحمد فتوح اللافت – لكن مباراة الجابون أثبتت أنه ليس له بديل، وبالنسبة للجناح الأيمن، لا يوجد لاعب أثبت نفسه في هذا المركز، منذ أحمد فتحي مع حسن شحاتة في 2006، 2008، 2010، والنسخة المتواجدة الآن منه في المنتخب تؤدي بحوالي 5% فقط من النسخة السابقة – وهذا بالطبع بسبب السن – وهو أمر لا دخل لفتحي فيه، لكنه يخبرنا بمدى احتياجنا لموهبة حقيقية في هذا المركز وبسرعة.
خط وسط كلوب، هو الأقوى لديه حقًا؛ لأنه خط جوكر يستطيع كل لاعبيه اللعب وفق ما يتراءى لكلوب تمامًا، فجميعهم يمتلكون موهبة التحكم في الكرة، رؤية الملعب بطريقة مميزة، التهديف إذا سنحت لهم الفرصة، بالإضافة إلى قيامهم بواجباتهم الدفاعية، وهم في ذلك ينجحون في تهيئة الفرص لأجنحة الهجوم للقيام بالدور المنوط منها في إحراز الأهداف، حتى أنّ تلك الأجنحة في كثيرٍ من الأوقات يقومون بصناعة الأهداف للاعبي خط الوسط، من فرط تحركهم الجيد جيدًا من منطقة الوسط للهجوم، فهل خط وسط منتخبنا لديه تلك القدرات المرتفعة في التحكم بإيقاع اللعب، وصناعة الفرص المهمة للمهاجمين؟!
الإجابة واضحة تمامًا، وهي لا بالطبع، فأسوأ خط في المنتخب للأسف هو خط الوسط، فعمرو السولية وطارق حامد، وحمدي فتحي، ومعهم النني، لا يقومون بدورهم الهجومي على الإطلاق، رُغم تألق الثنائي السولية وفتحي مع ناديهم الأهلي، وقيامهم بواجبات هجومية عالية المستوى، لكنهم أقل بكثير من هذا المستوى مع المنتخب، ولا أدري ما السبب!!
وإذا رجعنا بالذاكرة إلى منتخب شحاتة في 2006، 2008، 2010، سنجد أنّ مفتاح اللعب الأساسي في منطقة الوسط كان حسني عبدربه، ذلك الدينامو الذي كانت لديه رؤية جيدة للملعب سمحت وقتها لأبو تريكة وزيدان التحرك بتلقائية ناحية الأمام والتهديف، ومن قبله أحمد حسن مع كابتن الجوهري رحمة الله عليه، إذن فالمفتاح دائمًا وأبدًا من خط الوسط الدفاعي، الذي يعتمد على نقل الكرة التي يستحوذ عليها من الفريق الخصم، ليُمررها لزملائه المهاجمين، كما أنه وبالفطرة يجب أنْ يكون لديه حس تهديفي؛ لكي يتمكن من وضع الكرة لزميله في مكانها الصحيح، فيُسهل عليه الولوج للمرمى دون عناء كبير.
ونأتي إلى خط الهجوم الناري لـ الليفر، والذي يعتمد عليه كلوب اعتماد كلي (تقريبًا) في تنوع خطته، فهو لديه لاعبين لا يتميزون فقط بالمهارة العالمية في التهديف، لكن سرعتهم يتحدث عنها القاصي والداني في شتى بقاع العالم ويُحسب لهم ألف حساب، قبل أي مباراة، عكس منتخبنا مع أننا لدينا واحد من هؤلاء المهرة في ليفربول، لكنه لن يقوم بكل العمل وحده بالتأكيد؛ لأنّ كرة القدم لعبة جماعية في الأساس، ويجب علينا إدراك ذلك جيدًا.
هل نفتقد تريزيجيه؟ نعم نفتقده وربما كان سيكون له دور فعال مع كيروش، وهو دور استطاع عمر مرموش تحقيقه قليلًا في مباراتيّ ليبيا – خاصةً المباراة الأولى – لكن مع العقم في خط الوسط الذي يُقدمه اللاعبين، لن يظهر أي لاعب في خط الهجوم بشكل محترم مثلما هو الحال مع ناديه، فنحن نفقد الكرة سريعًا من خط الوسط، تمريرتنا ليست دقيقة ويتم قطعها بشكل متكرر، نحن كمشاهدين نسأم منه، كما أن نسبة تهديفنا ليست جيدة وهو أمر مُقلق تمامًا، قبل خوض مباراة الـ knock out للوصول لكأس العالم، كما أنه يجب علينا أنْ نفكر في كأس الأمم الأفريقية، نعم سيعود لنا اللاعبون المصابون أصحاب المهارة، لكن المشكلة الدائمة في طريقة اللعب، لدينا مشكلة كبيرة يجب العمل عليها، ونسبة التصويب على المرمى ليست عالية، وهذه علامة استفهام أخرى، فالمردود الذي يقدمه لاعبو الأهلي المهاجمين تحديدًا (أفشة و شريف) في المنتخب سيئ، ويجب عليهم التركيز أكثر، فاللعب للمنتخب شرف، عليهم استيعابه حتى يقدموا نفس المستوى مع منتخبهم.
وأخيرًا، أقول لكيروش وجهازه الفني، إلعبوا بالطريقة التي تُناسب اللاعبون المصريون وأسلوب لعبهم في الدوري المصري، ولا تفكروا في التغيير في الفترة القادمة؛ لأن الوقت غير كافي لتطبيق هذه الطريقة بالذات، بل قوموا بتحسين مستوى الموجودين والعمل على فاعليتهم أمام المرمى وفي امتلاك الكرة، ومحاولة تجهيز الأجنحة التي تقدم مردود دفاعي هجومي معقول، يصمد أمام النجوم الأفارقة الذين ستواجهونهم، فالأمم الأفريقية اختبار صعب جدًا، إذا استطعنا خوضه بنجاح، سنتمكن بشكل كبير بإذن الله من الفوز بمباراة الوصول لكأس العالم.