محمد الجداوي يكتب: «الحرب العالمية اللا مؤاخذة»
التطّور التاريخي لاندلاع الحروب العالمية الأولى والثانية في القرن الماضي سبقه مقدّمات أدّت إلى نتائج، بينما في القرن الحالي لم يكن هناك أي مقدمات لتلك الحروب التي تستشف أسبابها من فساتين الفنانات، تصريحات النجوم، وشيزوفرينيا رجال الأعمال.
ومع اختراع الحرب الباردّة لوصف العلاقات الباردّة بشكل متزايد بين حليفي الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبعد مرور عقود طويلة، اخترعت منصات -التشتيت الاجتماعي- ما يُسمى بحروب اللجان الإلكترونية، لتنتقل الدول من حروب الفضاء إلى حروب الفراغ، ومن الخطط الإستراتيجية إلى اللايك والشير والهكر ومكايدة الغير.
وعلى غرار ما سبق، فالآن تلوح في الأفق، حربًا جديدة لم تكن في الحُسبان أيضًا كسابقتها، فمع كل طلعة شمس ستجد حروب السوشيال ميديا وروادها تتسم بالصور والتصريحات والبوستات والمايوهات، ولا مانع من تصدير كل كلمة وكل هرشة وكل عطسة من المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي بإعادة تدويرها في شكل خبر لتجميع اللايكات وزيادة المشاركات، وتتبع العورات، وإن شئت قُل: اللايفات -بدون سرقات-.
الحرب العالمية اللا مؤاخذة، هي التي تتصدر الحروب التي تضرب بلدان ومناطق حول العالم، حيث التنظير، التشكيك، التضليل، التشفي، مع استخدام الشتائم المُحرمة دوليًا، واختراق حواجز احترام الغير بتشفيره أو نفيه خارج قارة التفاهم، وبدون أن يستوعب ما سبب الهجوم عليه، أو النيّل منه، أو ممن هم محسوبين عليه، فقط -أنا أهاجم وأسُب فأنا موجود افتراضيًا-.
الحرب العالمية اللا مؤاخذة، ستجرنا إلى مزيد من الاستنزاف الأخلاقي والنفسي والمجتمعي، دون أن ندري، فعلينا أن نستقيم ونستفيق ونتجدد، ونتوقف عند السطر الأول من -كتاب الأخلاق-، حتى لا تضع الحرب اللا مؤاخذة أوزارها، وتأتي بحرب الـ«معلش».