أحمد القاضي يكتب: حُب الفراشة أم حُب النحلة!!
“الشخص الذي تُحبه من قلبك، لا تتغير مَشاعِرك تِجاهُه حَتى لو كَثُرَتْ أخطاؤه” جان جاك روسو
الحب الحقيقي يُمثل شجرة مُتعددة الثمار لا تقتصر على صِنف واحد، تتشابك فُروعها ووتعانق في تناغُم رُومانسي رقيق، تحمل كُل ورقة من وريقاتها كلمة عذبة أو موقف جميل تُخلده الذكرى فوق غُصونها وقد كُتبت بريشة من جناح طاووس شديد الجمال، شجرة جُذورها الممتددة بالمودة والرحمة والإحترام والثقة واليقين والحنين والإيثار، شجرة قد تذبُل ولكنها لا تمُوت سُرعان ما تستفيق كُلما سُقيت بماء الحنين أو حينما يُمطرها مطر المحبين بل وتقف صامدةفي صدر كل ريح صرصراً عاتية في شموخ وزهو.
الحب الحقيقي ليس هزلاً، ليس عرضاً مؤقتاً، ليس ميلاً عاطفياً مجرداً، ليس نزوة، ليس رغبة، ليس عبثاً، ولكنه تجربة إستيعابية شاملة مركزها جوهر الإنسان وذاته ووعيه، مركزه الباطن العميق وتشمل كيان الإنسان كله أي فكره ووجدانهوعقله وسلوكه.
ولذلك فجوهر الحب الحقيقي هو الصدق، وإذا كان الموت هو الحقيقة المجردة الماثلة أمام أعين البشر، وتؤثر تأثيراً ضخماً في حياتهم، وهي ذات مغزى، فإنه على الطرف المقابل يأتي الحب الحقيقي ليصبح هو الحقيقة الأخرى المؤكدة والتي تؤثر في حياة البشر تأثيراً ضخماً وتحمل أسمي وأقوي المعاني مهما كان.
العلاقات لا يُبقيها الحُب وحده بل يُبقيها الشُعور بالأمان والطمأنينة وعدم الخوف وتقلُب الرأي والتهديد بالرحيل، فأينما وُجِد الأمان حَطّ الإستقرار والطمأنينة والهدوء النفسي معاً.
ولكن قد يقع أحدهم أو إحداهُن في حُب حَبيب يتمتع بقدر سخيف من الاستحواذ والغيرة ويحاول أن يُقيد العلاقة في إطار من التكبيل الغير مقبول ظنًا منه أنه بذلك يحافظ على إستمراريتها ولكنه للأسف بذلك يُفقد علاقة الحب السوية كُل مكوناتها الصحية فتصبح كالكوليسترول الضّار الذي يسد شرايين الحياة الرومانسية الرقيقة ويؤزم قُدرة عضلة القلب عن الخفقان تجاه من نُحبهم ويُقزِم دور الروّح في إستدراج وإستمالة روّح من تروُح حَولَنا.
هنا يتجسد الفرق بين العلاقات السليمة الصِحية والعلاقات التي يُصاب أحد أطرافها بهوّس الاستحواذ حيث أن مشاعر الإشباع العاطفية تكون مُتطرفة إلى حد كبير في حالة هوس الاستحواذ. مما يعني سيطرة الوُسواس والغيرة الوهمية على العلاقة وبالتالي حدوث العديد من المشاكل.
ومن المعروف في العلاقات العاطفية الصحية أن المرحلة الأولى من العلاقة تكون مليئة بالرومانسية والشعور الشديد بالعاطفة، لكن مع مُضي الوقت يتطور هذا الحب إلى كثافة أقل لكنه أكثر إستدامة.كما ترتبط العلاقات الصحية بالإلتزام وإحترام إحتياجات الطرف الآخر بما في ذلك إحترام الحاجة إلى الخصوصية.
ولسوء الحظ يغرق الأشخاص المصابين بهوس الإستحواذ بالرغبات القهرية لإمتلاك الطرف الأخر حيث يصبحون غير قادرين على التعامل مع أي نوع من أنواع الرفض من الطرف الأخر مهما كانت مُبرراته، حيث يمكن أن ينتهي هذا الرفض بأذية الشخص المصاب بهوس الإستحواذ لنفسه مُعرِضاً حياته للخطر في الحالات الشديدة، تماماً مثلا تحوم النحلة حول ذلك الشخص المعجب بجمال وتناغم مملكتها أو قد يكون مشدوه من روعة ورود بَساتينها، فُتبادر النحلة بمُداعبته ومُراوغته بين الحين والآخر وقد يحاول إبعادها بيده خشية لسعاتها فتقوم هي بلسعه بذبانتها الرقيقة ولكن بكل قسوةويكأنها تنتقم من تجاهُله لها ومن ثم تفقد حياتها نتيجة تعدد طنينها حوله ومبالغة مشاكستها معه.
بينما تظهر في الأفق تلك الفراشة الرقيقة الناعمة وما زالت تحاور هذا المتيم بالجمال، فتقف علىهذه الزهرة قليلاًوتنقل لتَقبيل تلك الوردة كثيراً، دونما أي طنين أو تصدير لضجيج سوى خفقان خفيف لأنغام أجنحتها الملونة فتعزف بهاأنشودة مودة وسلام ووئام فعلى نغماتها تصفو القلوب وتغمض معها العيون وتنام.
إنّحباً حقيقياً ناضجاًافضل من حُب رومانسي منقُوص، يجب أن ننقل تجارُب الحب الرومانسي من زمن سابق جميل إلى حب ناضج واقعي حقيقي ليكتب له الديمومة والإستمرارية، وانتبهوا أيها السادة فالحب ليس شرطاًإلزامياً للزواج الناجح، فعلاقة الحب الناضجة مجانية وتستند إلى التواصل والتناغم والتفاوض. لم يولد هذا الحب، ولكن تم بناؤه عبر الزمن ويتم تقديم الرعاية له،فيدوم لأنه هو الصحيح.
بعضهم يقول أن الحب الحقيقي لا يجمع المتشابهين، الحب يجمع المختلفين دائما، كأن يكونا إثنين بينهما فارق بالعمر أو إثنين أحدهما له ماضٍ والآخر يحب للمرة الأولى.
كُن في حبك كفراشة رقيقة تُحلق في سماء الحياة، ولا تكُن كنحلة تحُوم وتلسع قلب الحبيب قبل يداه.
إن طنين النحلة مَنغصةٌ للمشاعر مُؤرقة لنوم وكفاه، كفاه من أرقٍ قد يُنهي علاقة ودٍ لم تسمو بالحب لمُبتغاه.
فراشة الحب رفيقة خفيفة لينة رقيقة ترقَى بالحب لصفاهِ ولسماهِ، وملكةالنحلٍ تقسو على مُريديها فتقطع دابرهم جميعاً إلا منتصراً واحداً ولا أحد سواه، فينعم بزواج مليكته مَلياً وينتقل في نهايتها ليلقَى حتفه كان هذا مصير حتمي ومُنتهاه.
الحب الحقيقي سينتصر في النهاية، قد تكون هذه كذبة أو قد لا يكون، أما وإن كانت كذبة فهي أجمل ما لدينا من أكاذيب.
وكما قال عباس محمود العقاد: حَافظ على من تُحبه عاتبه إن أردته، إهتم بجميع تفاصيله فالحب إحساس قبل أن يكون كلمات
اخيرا: أرجوك حِبني حُب الفراشة ولا تُحبني حُب النحلة~~