أحمد القاضي يكتب: ومِن الحُب مَا قَتل!!
“إن لم تستطع إخراج أحد من قلبك، فمن المؤكد أنه في المكان الصحيح” ويليام شيكسبير.
“الحُب”.. الحُب معني جميل في الحياة ولفظّة تحمل في طياتها مجموعة رائعة من المشاعر الإيجابية والحالات العاطفية والعقلية القوية التأثير في الحياة بشتى جوانبها.
ولكن الحُب وحده لم يعُد كافياً فقد تغير مفهُوم الحُب عن الماضي.. مع تقدُمنا في ذلك الزمن رُبما تُمثل حياتنا سعياً حثيثاً لنمنع الألم أن يتسرب إلى قُلوبنا.. هذا هو الحب.
فالحُب في حد ذاته ليس أن تُعطيني الحُب.. الحُب هو أن تمنع عني كل ما يؤذي القلب..
فالعطاء والصدق والفرحة تُعطّى بدرجات ولكن الحزن وفُقدان الثقة وإنتهاء الأمل يُعطى دُفعةً واحدةً وليس بدرجات، بدايته هي نهايته، لذلك إن لم تجد من يحمي قلبك من الألم والإيذاء فلا تدّع قلبك بيده، عيش وحيداً أفضل من أن تحيا وأنت تتألم، إن لم تجد روحاً تعمل لأن تُعطي روحك الحُرية فلا تقبل أن تكُون سجيناً في حياة أحد، من النُضج أن تكون شخصاً لك خصوصية مُفردة
وألا يعرفك أي شخص أكثر من اللازم لأن شعور الندم بعد المعرفة أصعب من ألم التبرير.
إن تلك العلاقات الذكية الصافية هي التي لا يشوبها الاتهامات المستمرة والظنون السيئة والشكوك الغير مُبررة وألا يكون كُل طرفٍ مٌتربص للآخر على خطأ ما بينما يُقبل فيها العتاب اللطيف والنقد البناء مع إفتراض حُسن النية.
العلاقات الطيبة الصافية ستبقى وتستمر إن كانت خفيفة على القلب تمثل تٌربةً خِصبة للبناء وأرضاً صلبة لحل أي مُشكلة، ومع مرور وقت العلاقة تشعر بقدرٍ من السعادة أمام كُل تضحية تُقدمها أو تنازُل من أجل من تُحب.
فالحُب عطاءٌ وأخذ، وفاءٌ ووصال برفق، حنان ومراعاه للمشاعر. الحٌب هو تجربة عاطفية مليئة بالكثير من المشاعر المختلطة التي لا يمكن التحكم فيها في مٌعظم الأوقات، وقد يٌشكل ذلك الأمر مصدر إزعاج لأحد الطرفين أو كلاهما معاً.
• الاهتمام الزائد والإستحواذ المستفز تحت مِظلة العشق يقتُل الحُب ومشاعره..
فالإهتمام الزائد يقتل الحُب؛ إذ يجد الإنسان نفسه متورطًا في علاقة تستنزف طاقته جرَّاء ذلك الاهتمام الزائد والتعلق المفرط والاستحواذ المستفز من قِبَل الطرف الآخر. ولذا ينبغي لنا عدم المبالغة في الاهتمام بالآخرين والانسياق وراء ذلك الهوس والتعلق المرضي بهم؛ كي لا نسبب لهم التوتر والشعور بالإستنزاف عندما لا تسير الأمور وفق أهوائنا.
كما في دور “نفيسة بنت الجزار” في مسرحية المتزوجون تلك الزوجة البسيطة التي حاولت جاهدةً أن تُحافظ على زوجها وتضعه بين رموش أعينها ولكنها أفرطت وبزيادة في التعلق به والحفاظ عليه لدرجة أنه قرر الهروب من سجن المحبة إلى أي شئ آخر وأي مكان بعيد حتى وإن كان أقل إهتماماً وإستحواذاً.
• الغيرة القاتلة والظُنون السيئة والشك بلا سبب تقتل الحُب ومشاعره..ينبغي لنا عدم المبالغة في حُبنا وعشقنا وغيرتنا على من حولنا؛ ليتسنى لهم التمتع بمساحة أكبر من الثقة وقدر أوسع من الحرية الشخصية، ولكي لا نُثقل كاهلنا بما لا نُطيق وقد تُبادر الظنون اللعينة إلى أفكارنا دون أي دليل، فبعض العواطف لا يُحبذ اظهارها وأشهرهم مشاعر الغيرة المبالغ فيها لأنها تُشعر الطرف الآخر بالضيق والانزعاج حيث تحمل دلالة على عدم الثقة. فلا مفر من طرد الشك من حياتنا لنحصل على قدر أكبر من السعادة.كما في دور “ميرفت أمين” في فيلم “البعض يذهب للمأذون مرتين” حينما كانت غيورة لدرجة الجنون على زوجها الطبيب وكانت لا تأمن على زوجها مع المريضات في العيادة حتى ضّج من غيرتها القاتلة وبحث عن الراحة في علاقة آثمة أو نزوة عابرة مع سيدة أخرى مع حبه الشديد لزوجته ولكن الغيرة طردت الحب ودمرت حياتهما.
• بخل المشاعر والتردد في التعبير رغم وجود الحب يقتل الحب لا محالة.
التردد في التعبير عن الحب وبُخل المشاعر في بعض الأوقات يكون سبباً في قتل الحُب وقد يكون الطرفان في حالة عشق حقيقي ولكنهما لا يجدان الطُرق المثلى كي يعبر كل منهما عن حبه للآخر، وليس معنى التعبير عن الحب والاهتمام هو الإغداق في الهدايا والخروجات والسفر فقط ولكن التعبير بكلمات رقيقة، بإبتسامة شفافة، بضحكة من القلب قد يكون كافياً في بعض الأحيان وبديلاً عن الهدايا الثمينة والأموال المنفقة وخصوصاً حين يتبعها منٌ أو أذىّ.
• إلى الجحيم فلتذهب أي علاقة تُطفيك وتجعلك تكره نفسك ولا تتقبلها وتتحول روحك بسببها لروحٌ مهزومة داخلياً أمام نفسها طوال الوقت وتشعر بسببها أنك ناقصٌ منقوص أو بأنك سئ ٌمنبوذ.
• إلى الجحيم فلتذهب أي علاقة تستنزف طاقتك وإهتمامك وتستهلك مجهودك كي تظل العلاقة قائمة ومستمرة والطرف الآخر غير مُهتم ولا يُقدر ولا يُحاول حتى أن يُحافظ علي معنى وقيمة تلك العلاقة لأنه يشعر ومتأكد من وجودك إلى الأبد.
• إلى الجحيم فلتذهب أي علاقة تحيا فيها وأنت دائماً قلق في حالة إنتظار، تنتظر أن يُقدَم لك حُباً تستحقه، تنتظر أن يفي الآخر بوعوده التي سبق ووعدك إياها، تنتظر أن يكون حاضراً بإهتمامه بك، تنتظر أن يسعى لتطييب خاطرك على جرح أدمى قلبك ومزق وجدانك ومن ثم يعوضك عن جّم أخطائه، تنتظر أن يُبادلك شغفك ناحيته، تنتظر أن يحتضن روحك البائسة اليائسة المرهقة المتعبة من وعثاء سفر طويل في دروب سحيق من دروب تلك الحياة وهو مُدرك جيداً بمخاوفك وما حاق بك.
• إلى الجحيم فلتذهب أي علاقة تنهش في روحك وتسحب منها بريق الحياة، فترسم عيوناً باهتة بلا أمل بلا شغف بلا رجاء.
• إلى الجحيم فلتذهب أي علاقة تجعلك تتنفس أوجاع أو تستنشق توهة وأوهام فتقيد أنفاسك وتُشعرك أنك في صراع أزلي يومي كي تصبر وتتحمل وتُقاوم وتُثابر من أجل البقاء معه.
العلاقات السليمة النقية الطيبة الطاهرة رزق من رب العباد لم يُحبه من العباد.
“الألم يُغير الناس فيجعلهم يثقُون أقل ويُفكرون أكثر وينعزلُون أطول” جبران خليل جبران
العاشِقُون ليسوا دائماً في نعيم.. فمن الحُب ما قتل!!