نور القاضي تكتب: الإخْتِيَار

مَن مِنَّا لم يقع ضحية لسوء الإختيار لشىء ما في حياته؟!
مَن مِنَّا كان على صواب دَائِمًا فى كل اختياراته؟!.. وكانت توابع كل إختياراته صحيحة وصائبة؟!
مَن مِنَّا كان يَظُنُّ أَنَّهُ أصاب الإختيار بل وأيقن بمثالية إختياره واكتشف بمرور الأيّام والمواقف أن إختياره كان خَاطِئاً بكل تأكيد؟!
كل هذه الأسئلة نَحْن من سألناها ونَحْن فقط أيضاً من استطاع إجابتها. فلَقَد أخبرتنا الحياة من خلال الخبرة والتجارب بكل الإجابات. فعلينا أن نعلم إننا وُجِدْنَا فى هذه الحياة لكى نُصِيب ونخطأ.. نتعثر ونتزن.. نسقط وننهض.. نخطأ ونتعلم.

أخبرتنا الحياة أيضاً بأن الخطأ ليس فى الإختيار الخطأ فحسب بل فى الإستمرار فيه والإستسلام له وفقدان روح تغييره والرضا بالوضع القائم الذى هو بكل تأكيد غير صحيح وغير مرضي والتمادى فيه بحجة الخوف من التغيير والتأقلم على الوضع الراهن. فإن ذلك بالتأكيد هو الخطأ الأكبر. فإذا ركبت فى القطار الخطأ عليك النزول سريعاً ، فكلما زادت المسافة زادت تكلفة العودة.
فإن الصواب والخطأ وارد وليس نهاية الكون. فإذا أخطئت الإختيار فهذا ليس خطأك فأنت لا تعلم الغيب ولا تضمن المستقبل ولكن خطأك الحقيقى يتمثل فى ماذا فعلت عندما علمت بخطأك. خطأك الأكبر في عدم إصلاحه وتغييره والخضوع والقبول بالأمر الواقع. فإذا كنت تطمح فى النجاح لا تجعل للإستسلام مكان في روحك. أبدأ من جديد حاول مِرَاراً وتِكراراً. إخطأ وتعلم من أخطائك، فما كنا لنعلم ونتعلم الصواب إلا بعد الخطأ.. ولا كنا نُدْرِك النجاح إلا بعد الفشل.. فالتجربة أفضل مُعَلِم حتى وإن كانت تجربة خاطئة. فالنجاح لا يأتى إلا بعد الفشل ولكن بشرط التغيير والإصلاح فإذا تأملت علاقتنا بالله تجد أروع، لذلك فنحن نُخطىء ونصيب، نعصى ونُطِيع، نذنب ونتوب فيقبل الله توبتنا ولكن بشرط الإصلاح والتغيير وعدم التمادى فى الخطأ، فإقترنت دائما التوبة بالإصلاح والتغيير وليس الإستسلام للخطأ والذنب .(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

فكن على يقين تام وأمل دائم وإصرار على الصواب وحسن ظن بالله.
وبرغم الشعور بالخيبة عند تِكْرَار اختياراتنا الخاطئة وتِكْرَار صدماتنا إلا أننا نشعر بالمتعة المؤكدة حينما نقوم بالإختيار وليس حينما تُمَلى وَتُفْرَض علينا إختيارات الآخرين لنا.
“الحرية هي حقك في الإختيار بين عدة بدائل، وبدون إمكانية الإختيار فالإنسان سيكون مجرد رقم أو أداة مجرد (شىء)”

فمهما عانينا من سوء اختياراتنا حتى ولو ألف مرة نرغب أن نختار ولا ننصاع للإجبار والفرض والتوجية، نجد لدينا الميل لأذواقنا المختلفة لأرائنا الْمُتَمَيِزَة لِنَظرَتنا الدقيقة، نَتَحمل كامل مسؤلية حريتنا ونتيجة اختيارنا أَيَاً كانت ونقف أمام التيار.
حَقَّاً فإن حرية الاختيار هي وحدها من تصنع الفرق بين الإنسان وأى كائن سواه. ولأن لكل شىئ ضريبة فتلك هي ضريبة الإختيار. فضريبة الاختيار هى أن تَتَحَمَّل العواقب وأن تلتزم بالمسؤلية. ولكن ليس معنى ذلك أن نقبل بالخضوع والتمادى فى الطريق الخاطىء. فنحن مَن إذا اكتشفنا اننا على الطريق الغير صحيح غَيَّرَّنَا دَفتَّنَا وانطلقنا فى الإتجاه الصحيح.
“أن عيش الحياة ليس خِيَارَاً مَطْرُوحاً فلابد أن تعيش الحياة ولكن الخيار الحقيقى هو كيف تعيشها” (هنرى وارد بيتشر)
فلتعتبر كل تجاربك واختياراتك السابقة دَرْسَاً وفرصة لِلتَّعَلُّم.
فما كان لك أن تعرف عذوبة الماء من ملوحته إلا عندما تذوقته..
ولا كنت ستعلم عمق الماء من ضحالته إلا عندما نزلته..
ولا كنت ستعلم المعدن الخالص من المزيف إلا عندما اقتنيه..
فلتعتبر تلك التجارب والإختيارات كفئران التجارب بالنسبة لك للتجربة فقط.

فعليك أَوَّلًا أن تُغَيِّر منظورك للأمور لقد نَفَذَت لديك فرصة واحدة ولا زال لديك كل الفرص، نَفَذَت لديك تجربة واحدة ولا زال لديك كل التجارب. أَقْبِل على الحياة فلا زال لديك كل الوقت للبدء من جديد وبشكل أفضل بالتأكيد.

وعلينا الإمتنان حقا لتلك الاختيارات والتجارب المؤلمة فهى برغم صعوبتها منحتنا القدرة على التمييز بين الجيد والفاسد، بين الجميل حَقَّاً وبين مُتَصَنِع الجمال، بين الصادق حَقَّاً وبين مدعى الصدق، بين المحب حَقَّاً وبين المنافق. فهى ألقت لك ضوء الحقيقة وكشفت لك الستار وأنارت لنا طريق الحياة فيما بعد. فاطمئن.. انت الآن على أفضل إستعداد للبدء والإنطلاق فى الإتجاه الصحيح.
“لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات” (جون تشارلز)

وفى النهاية _ عزيزى القارىء _ إعلم بأن النهاية لم تأتي بعد ولكنك فقط كنت في البداية، ولتتمتع بمتعة الاختيار. فأيا كانت اختياراتك صائبة أو خاطئة فهى أفضل من أن لا تختار. إملىء روحك بالأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله ولتنتظر العوض الجميل وهدايا الحياة.

“أيا كان ما يحدث لك لا تقع في اليأس.. حتى لو اغلقت جميع الأبواب سيظهر لك طريق سرى لا يعرفه أحد” (شمس التبريزى)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى