أحمد القاضي يكتب: “قُبلة الحياة”

“لا نعلم ما قد تخبئه لنا الأيام، قد نُقابل شخصاً واحداً يُغير حياتك للأبد” وليّم شيكسبير
تمر بنا الحياة محطات ونهايات، بعضها يختفي من الذاكرة كلمح شعاع في الفضاء الفسيح وبعضها يبقى كندبة الجرح في وجه طائر جريح،
بعض الناس يفرضون أنفسهم ويقطنون داخل ثنايا أروحنا كقنديل أضاء عتمة ليلة ظلماء؛ وبعضهم تضطر لأن تقذف به إلى مَكب النسيان بطرف إصبعك غير مأسوفاً عليه، ولكن بين هذا وذاك قد تُقدم لك السماء قُبلة الحياة وقارب النجاة وسط أمواج تلاطم ثنايا قلبك وتُعكر صفاه، هدية لا تأتي إلا من السماء في وقت فقدت فيه الأمل في معنى الحياة.

قد يظهر في حياتك ذلك الشخص الذي يُغير كل مُعادلات وقتك، تكتشف معه بأن أكبر كذبة كنت تعيشها في حياتك هي أنك دائما مشغول، شخصاً يلوّن حياتك وكأن الماضي كان بالأبيض والأسود، شخصاً يمحو من قائمة مُفضلاتك كل الأغاني الحزينة التي كانت تُعجبك، شخصاً جاء ليُنقذك من تلك الحياة الرتيبة المملة.

فالمرء عندما يحب فهو أولاً يحب الحياة ويكتشف فجأة ان لون العالم وطعم الاشياء يتغير من حوله، فجأة ينزاح كل شيء من مكانه وموقعه ويكتسب لوناً جديداً وإحساساً مغايراً ويجد نفسه وهو يهرب من أشياء كان يُحبها ويضطرب أمام أشياءًا كان يمر بها دون أدنى إهتمام أو ببرود وتصير الإبتسامة العابرة حدثاً مهماً وتضحى النظرة مغامرة والكلمات العادية مُحملة بالإشارات والوعود البراقة، حتى أسماؤنا التي كنا نسمعها جافة تلحظها آذاننا وهي أكثر بهجة ومتعة.
“فالحب يضفي عليك سعادة.. والسعادة أثمن من المال.. لأننا لا نجد من لا يُقرضنا إياها” جُبران خليل جُبران
إن المشاعر التي ترافق الحب تدفع الحبيب إلى معرفة المزيد عمّن يُحب، وتتملكه عواطف قوية ومتأججة نحو من يُحب، فيما الجسم والعقل يعملان وينشطان أضعاف المعتاد، بسبب الشعور بالقوة والفخر والإنتصار على المصاعب جميعها ومواجهة العالم باستخدام هذا الشعور الراقي. الشعور في العشق يبدأ في العيون،ـ والشعور في الحب يبدأ في الأذن، حتى إن الخلايا في الجسم تُصبح أكثر نشاطاً وحيوية، فالحب يحمل تغيرات مُتعددة تندرج تحت مفهوم الحُب الحقيقي الذي يُكمل فيه كلا الطرفين بعضه الآخر.
والعاشق لا يعرف اليأس أبداً، وللقلب المغرم المتيم كل الأشياء ممكنة، وكما يقول الرومي “أنظر بقلبك.. وستعرف أن كل ذرات الكون في رقصة عشق أبدية.. ستعرف أنها تتلمس العاشقين فتعرفهم بسماهم”
إن أجمل ما في الحب هو إنتظار إكتماله وأمتع ما في الحب هو إستحالة إكتماله، فالحلم الذي لا ينتهي ولا يكتمل أسعد من حُلم تحول لواقع، فعالم الخيال أكثر إثارة من جفاف الواقع.
حلمت الوردة ليلاً ونهاراً بالنحل، ولكن ما من نحلة زارتها، ومع ذلك تمسكت الوردة بحلمها. كانت تتخيل عبر الليالي الطويلة، جناناً حافلة بالنحل الذي يطير إليها ويمنحها قُبلات دافئة. وبهذا الحلم، إستطاعت الإستمرار أياماً وأياماً أخرى، لتفتح نفسها مُجدداً لنور الشمس.

شعُر القمر بوحدتها في إحدى الليالي فهمس في أوراقها سائلاً:
– ألم تملي وتتعبي من طُول الإنتظار؟
فردت: ربما صحيح، ولكن علي الإستمرار في المحاولة.
– لماذا؟
لأني إن لم أبق متفتحة، سأذبل دون شك. فما علي إلا الحلم والانتظار، فسر حياتي يكمن في أملى في تحقيق الحلم أكثر من تحقُق الحلم ذاته.

حقا “الحب الذي لا يكتمل لا ينتهي”
بعضهم قد يحيا حياةٌ بلا حياة، وقد يسقُط آخر في بئرٌ بلا نجاة، وقد تتوه ناقته في شمس الفلاة، ولكن لا تيأس أبداً سيظهر من يُعطيك قُبلة الحياة ويصل شوقك معه لمبتغاه، ويراه قلبك كنجمٍ في سماه، حينئذ فقط تشعُر بلذة وطعم هذه الحياة، وما دون ذلك فلا وألف لا.
إنتظر قليلاً أو كثيراً على شاطئ بحر اليقين ولا تيأس، فقد يقذف لك البحر لؤلؤاً وماساً لم يتأتى لأحدٍ غيرك.
• تمر بنا الحياة وتقف عند محطات، قد يطول وقوفها وقد يكون لحظات.
• نلتقي أناس سُرعان ما ننساهم ونلاقي أناس يشكلون عندنا مساحات.
• نُعبر عن بعضهم بكـلمات وتعجز عن وصف بعضهم كل العبارات.
• قد ننسى ملامح بــعض الوجوة وترتسم وجوة أخرى بمركز الذات.
• في خفايا الروح يسكنون ولن ينسيناهم إلا الموت هادم اللذات.
• ونعبُر في هذه الدنيا بأسرارنا نكتم أحبابنا كما نكتم النبضـات.
• تستمر الحياة ولا تبالي بمشاعـرنا هكذا هي الدنيا وهكذا هي الحياة.
• ليست سوى محطات، هي أيامٌ وساعات، بدايات ونهايات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى