مني النمر تكتب: إعلانات و دراما رمضان كل شيء و عكسه
إستفزاز للمشاهدين وتأكيد للظلم الإجتماعي .
أرقام فلكية أصبحنا نسمع عنها كتكلفة بعض الفقرات الإعلانية و الأعمال الدرامية من أجور الفنانين وبعض اللاعبين و الإعلاميين ، والتي تصل لعشرات الملايين ؛
حيث تراوحت بعض أسعار الحملات الإعلانية من 250 إلى 400 ألف جنيه مصري لكل 30 ثانية إعلان !
و أجور بعض الفنانين إلى 40 مليون جنيه عن العمل الدرامي الواحد !
فمنذ أول أيام رمضان تنافست شركات المحمول والشركات العقارية و الجمعيات الخيرية بالاعتماد على نجوم الغناء والتمثيل والإعلام في تقديم الحملات الإعلانية الضخمة ؛
و أصبح المشاهدين فى حالة من الترقب و الاندهاش ، و كأن مصر أنقسمت إلى عالمين مختلفين ، أناس ذات ثراء فاحش ، تعيش في منتجعات سكنية فارهه ، و آخرين يستجدون الطعام و العلاج أناس فى منتهى الفقر و البؤس و الإذلال ؛
وقد آتى هذا التناقض بنتائج عكسية فلم يعد المشاهد يصدق هذه الإعلانات للجمعيات الخيرية بل أصبح ينظر إليها على أنها نوع من أنواع النصب و الاحتيال ؛
فأصبحت: إعلانات رمضان .. ” كل حاجة وعكسها ”
مما أدى إلى إثارة حفيظة المشاهدين و زاد من التساؤلات عن جدوى مثل هذه الإعلانات وعما إذا كان من الأفضل إنفاق أموال الإعلانات على الحالات المستحقة بشكل مباشر .
و أصبحت هذه الإعلانات الشاغل لأذهان الناس و أحاديثهم على مواقع التواصل الإجتماعي و مثار النكات ” فشر البلية ما يضحك ” .
بحيث أوجدت تأثيراً سلبياً على نفسية وسلوك المشاهدين لما يتم عرضه من هذه الإعلانات بشكل متكرر ؛
و المقلق في الأمر أنه قد يتحول هذا التأثير إلى نوع من أنواع الحقد عند الطبقة الفقيرة والمتوسطة ، لما يروه من هذا الكم الهائل و الضخم من الإعلانات لهذه المنتجعات السكنية الفارهة .
وكما ارتبط شهر رمضان
” بالطفح الإعلاني ” ارتبط أيضاً بالكم الهائل و المبالغ فيه من الأعمال الدرامية و التي أتصف بعضها بالبهرجة و الترف الزائد فى كثير من الأعمال أو بالعنف و البلطجة فى بعضها الآخر ؛
أنه منظور و فكر غريب يزرع فى الأجيال الحالية و القادمة !
فنجد بعض المسلسلات الدرامية فى شهر رمضان ، تتعمد تشويه المعايير الأخلاقية و الثوابت المجتمعية ؛
و سوف أتطرق هنا لعمل درامي و ليس الموسم الدرامي ككل ، فهناك أعمال تستحق الإشادة و المشاهدة ؛
و لكن مسلسل كمسلسل :
” ملوك الجدعنة ” و ما يمثله من هدم للقيم و تقديم نموذج سئ للشباب ( فأين هى الجدعنة فيمن يحمل مطواة وسيجارة حشيش فى يده ليل نهار وكل كلامه سب بأقذر الألفاظ ) !
فالنسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية فصاحب هذه الأخلاق و التصرفات يسمى ( بلطجي) و ليس به أى ما يدعو للجدعنة ، بل يرسخ في الأذهان مفهوم غريب و شاذ للجدعنة !
عن طريق الإيهام بأن كاركتر الشخصية الجدعة هو اعتناق طريقة ملابس و كلام و تصرفات أبطال العمل على أنهم القدوة و المثل الذي يحتذي به الشباب و المراهقين ؛
و نسوا أن وظيفة و هدف العمل الدرامي الإرتقاء بالذوق العام للمشاهدين و ليس العكس !
ومن العجيب في ذات الوقت إستمرار مسلسل كهذا ، في حين كانت هناك محاولات إيقاف مسلسل آخر يناقش قضية أخلاقية مهمة ، قد حدثت بالفعل ؛
أليس هذا أيضا واقع نعيشه؟
فلا نعلم على أى أساس يتم إختيار العمل الذي يقدم للمشاهدين ، خاصة فى هذا الشهر الكريم ؛
و كما قال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر : المليارات التى تصرف على المسلسلات بحجة إنها تمثل الواقع ، لو صرفت على الواقع نفسه لغيرته ! .
وهكذا ينقلب شهر رمضان ، من شهر عبادة و صيام ورحمة ومغفرة إلى شهر مسابقات و إعلانات في غاية الاستفزاز ومسلسلات و مقالب مفبركة ، سعيا وراء الكسب المالي الكبير ؛
و إستغلالاً لما يتميز به هذا الشهر الكريم من نسب مشاهدة عالية ؛
و من هنا نطالب بضرورة وجود جهاز رقابي يجيز ويمنع ظهور تلك الإعلانات و بعض الأعمال الدرامية على الشاشات التلفزيونية ، و ذلك حسب مناسبتها للذوق العام ومدى صلاحية محتواها وتأثيرها على المجتمع ، كما كان معمولا به في التلفزيون المصري سابقا .
و نكرر النداء على أهمية تطبيق معايير ميثاق شرف أخلاقي للمعالجات الدرامية والبرامج الإعلامية و الإعلانية المقدمة طوال العام ، وبصفة خاصة في شهر رمضان ، لما لها من تأثيرات سلوكية ونفسية على جموع المشاهدين .