في وداع عزت العلايلي: السقا مات – 1977

كتب/ أشرف بيدس
أفلام مصر العالمية يوسف شاهين وشركاه
الشركة التونسية للتنمية السينمائية والانتاج
تاريخ العرض: 20-11- 1977
مدة العرض: 103دقيقة
قصة : يوسف السباعي

بطولة: فريد شوقي – عزت العلايلي- شويكار- أمينة رزق – تحية كاريوكا- ناهد جبر- – بلقيس- حسن حسين- ابراهيم قدري- ابراهيم زاغو- محمد أبو حشيش- – صبري رسلان- محمد نعيم- محمد فريد- عبد العزيز عيسي- ميشيل جاب الله- علي المعاون- عبد الرحمن المظ- المطرب علي الشريف- عزيزة محمد
والأطفال: شريف صلاح – محمد السيد عبد الجواد- خالد عبد الرحمن- نادر احمد سامي – صلاح عطا
سيناريو وحوار: محسن زايد
مساعد مخرج أول: عبد الفتاح مدبولي
مساعد: عبد الحفيظ عبده
المصور : الكشباني التهامي
م. المصور: محمود بكر
فوتوغرافيا: محمد بكر
مهندس المناظر: د. مختار عبد الجوار
تنفيذ : جمال مرسي- محمود الشيخ
تصميم الملابس: د. سامية عبد العزيز
منسق المناظر: نجيب خوري
ملاحظ سيناريو: نجيب اسكندر
المكساج: سيد محمد
مساعد: حمدي أحمد
كوافير: سيد إبراهيم
كلاكيت: سيد فضل
ريجيسير: سيد علي
مساعد: سعيد شمبر
مركب الفيلم: محمد الزرقا
نيجاتيف: عادل شكري
تسجيل الصوت: عبد العزيز عمارة – فوزي ثابت
مساعد: مصطفي كامل
اخذت المناظر: الهيئة العامة للسينما – ستوديو الاهرام – ستوديو مصر
التحميض والطبع: ستوديو مصر
مدير المعامل: صلاح عبد الحليم
تصحيح الألوان: ممدوح رضا
المراجعة الكيميائية والتشغيل: فؤاد رمضان- طلعت حما
مدير الانتاج: فؤاد صلاح الدين
مساعد: عبد الرءوف عبد الهادي
كبير مهندسي الصوت: نصري عبد النور
الموسيقي التصويرية: فؤاد الظاهري
التوزيع في مصر وجميع انحاء العالم
أفلام مصر العربية 35 شارع شامبليون – القاهرة
والشركة التونسية
10 شارع بن خلدون- تونس
مونتاج : رشيدة عبد السلام
مدير التصوير: محمود سابو
انتاج : يوسف شاهين
إخراج: صلاح أبو سيف
حصل الفيلم علي جائزة احسن فيلم وأحسن اخراج من جمعية الفيلم, كما عرض في مهرجان برلين, يحتل فيلم ” السقا مات 1977 ” المركز (31) فى قائمة أفضل 100 فيلم, وفي قائمة أفضل مائة فيلم عربي حصل علي الترتيب (36), وفي قائمة مكتبة الاسكندرية 2007 التي اختارت الأفلام من الاقدم إلي الاحدث علي الترتيب (66), استغرق تصوير الفيلم أربعة اسابيع فقط وهي مدة زمنية قصيرة للغاية, وعرض الفيلم بسينما رومانس وأوديون.

جمعتني لجنة امتحان في الصف الثاني الثانوي بمدرسة الجيزة الثانوية مع النجم شريف صلاح الدين, وكنت احسبه علي الحالة التي رأيته بها في الاعمال الفنية, لكنني فوجئت بشخصية أخري جريئة ومقتحمة, ولأن الامتحان كان في المادة الفرنسية التي لا أفهم بها شيئا, وهو كذلك, مرت الساعة الأولي دون أن يكتب أحد حرفا واحدا.. وحاولنا مرارًا مع المراقب أن يفسح لنا المجال قليلا حتي نتمكن من الاجابة, وبعد الحاح سمح لنا المراقب بالحديث همسا, لكن اللجنة بأكملها صورة طبق الأصل لا تفهم شيئا في اللغة الفرنسية, وانتظرنا نصف ساعة أخري حتي يخرج أحد من اللجان الأخري ليرشدنا إلي الاجابات الصحيحة, وبالفعل أتي تلميذ شاطر صديق لشريف وامدنا بالاجابات.

يحكي صلاح ابو سيف : عندما طلب مني يوسف السباعي أن أصنع فيلما من احدي قصصه قلت له ان لون قصصك يختلف عن لون الأفلام التي أهوي صناعتها.. كانت قصصه كلها من النوع الرومانسي العميق, ولم أكن أميل لهذا النوع حتي قرأت “السقا مات” ووجدت فيها شيئا اخر مختلفا تماما عما يكتبه ويقترب جدا مما أهواه. طرت من الفرحة, وفكرت علي الفور أن أخرجها فيلما, وعرضتها علي المنتجين لكنهم جميعا رفضوها رفضا قاطعا, لأنها تتكلم عن الموت. ولم يكن في ظنهم أن يتناول الفيلم موضوع الموت ويقبل الناس علي مشاهدته, حتي طلبني يوسف شاهين عند بداية تأسيسه لشركته وطلب مني أن أخرج فيلما لشركته, وعرض علي “السقا مات”, فذكرت له موقف المنتجين منها. وفوجئت به يقول بأنه لا يهمه أن يكسب من هذا الفيلم وإنما يهمه أن ينتج فيلما جيدا حتي لو أدي إلي خسارة محتملة. كانت هذه هي المرة الثانية التي أسمع فيها مثل هذا الكلام من منتج. المرة السابقة كانت من عمر الشريف عندما أراد إنتاج فيلم “لا تطفئ الشمس” الذي انتجه مع أحمد رمزي, فضل كل منهما السمعة الطيبة علي المكسب المادي.. واخترت تلميذي محسن زايد لكتابة السيناريو والحوار, لكن معظم الحوار كان مكتوب في الرواية.. عند مشاهدة نسخة العمل مع يوسف السباعي وأسرته انخرط افراد الاسرة في البكاء وطلبوا تقليل مشاهد الموت, وكان يوسف السباعي أول مؤلف يقول أن الفيلم أحسن من روايته التي كتبها.. اخترت شريف صلاح الدين من بين 500 طفلا, كان شيئا يجذبني نحوه وبالفعل صدق حدسي.. أما شخصية “شرف الدباح” الذي كان يلعب دور قواد شويكار, فذات مرة دخلت محل “لاباس” ووجدته رجلا يجلس علي الكيس وعندما فاتحته رحب بالقيام بالدور وكانت أول واخر مرة يمثل بها. ثم اخترت الدكتور البيطري حسن حسين وأثناء التصوير وجدته يحرك رأسه بطريقة معينة ويهش ذبابة وهمية أمام وجهه مما يجعله واحدا منهم بحق, وأسعدني اداؤه, ولما سألته من أين جاء بهذه الحركات أجابني بأنه قام بدراسة لمجموعة من المصابين بهذه العاهة واستخلص منهم هذه الحركات.. قام عزت العلايلي بالتدريب علي حمل القربة في بيته وقد أحدث ذلك تساقط المياه في ارجاء شقته حتي تمكن من استخدامها, وحصل الفيلم علي 14 جائزة, وقد قمت بإرسال الفيلم لمهرجان برلين واثنت عليه لجنة المشاهدة واختارته للمسابقة, وكان من المتوقع أن يحصل علي جائزة لكن وكيل وزارة الثقافة في مصر وقتها كان له قريب مخرج وأراد أن يرسل فيلمه إلي نفس المهرجان, فأرسل إلي مهرجان برلين يقول أن فيلم “السقا مات” ليس انتاجا مصريا ولا يمثل مصر, ذلك أن يوسف شاهين كان قد أدخل تونس في انتاج مشترك للفيلم, فرفعت إدارة المهرجان الفيلم.. ولم ينجح الفيلم الآخر في دخول المسابقة.

كتب هاشم النحاس: أهم ما يميز هذا الفيلم هو الطابع الشعري الذي غلب علي الفيلم, انه فيلم فريد في مجموعة أفلام صلاح أبو سيف, مشحون بكم من الشعر لم يتوافر في أي عمل من أعماله السابقة علي هذا النحو, وربما ايضا بالنسبة للسينما المصرية عموما, والفيلم منذ بدايته يرهص بالشاعرية من خلال مشهد البداية مع العناوين ومصاحبتها بأصوات الآذان, آذان يأتي من كل جهة علي مستويات صوتية مختلفة في انسجام متكامل يمهد لدخولنا إلي موضوعه الميتافيزيقي عن الموت, يثير الشجن ويدعو إلي التأمل ويترك الاحساس بالراحة لدي أصحاب هذه الثقافة التي يمثلها, من أجمل المشاهد الشاعرية استرجاع “السقا” لذكرياته الحميمة مع زوجته المتوفاة, بها قدر من الحب والود والتأمل, والي جانب النغمة الشعرية التي يشيعها التأمل في الحياة والموت من ناحية “السقا” نجد نغمة شعرية أخري مقابلة تتمثل في أحلام المطيباتي “فريد شوقي” في قضاء ليلة ممتعة مع زكية, وأيضا مشهد اكتشاف “السقا” لمرور الزمن ودخوله في مرحلة أخري من العمر جعلته لا يصلح للزواج من جارته الشابة التي فكر في الزواج بها, لقد تم تنفيذ التعبير عن هذا الإحساس بشاعرية رفيعة وخاصة وهو أمام المرآة التي لم ينظر فيها إلي صورته منذ وفاة زوجته وعاد للنظر إليها, ولكنه تقبل الصدمة في سكينة وهدوء نفس المؤمن بالقدر, يرصد الفيلم العلاقة بين السقا والمطيباتي وتطورها بداية من لحظة التردد من “السقا” عندما صدم بمعرفة وظيفه صديقه, فهو يتشاءم منها لكنه يخجل من مصارحته بتشاؤمه, ومع ذلك يتنافي الود بينهما وكل منهما يقبل الآخر دون ادانة بل بحب رغم تناقضهما, وتأكيد الشاعرية من خلال حركة الكاميرا الناعمة والانتقالات السلسة غير المتعجلة أو الحادة.. أيضا قصة سرقة الطفل ثمرة من شجرة الحديقة التي يرويها ودفاعه عن حقه في الحصول علي هذه الثمرة التي لا يضير أصحابها في شيء حيث يملكون منها الكثير, كان من المشاهد الجميلة والمعبرة, وجاء أداء الطفل في حواره مع الكبار مناسبا ومثيرا.

كتبت خيرية البشلاوي في جريدة المساء: يسترجع صلاح أبو سيف بفيلمه الأخير “السقا مات” قدرا كبيرا من مكانته كمخرج أسهم في تأسيس ذلك الجانب القليل المضئ في “صرح” السينما المصرية, ولا ندري هل هي المصادفة وحدها التي جمعت عملين لصلاح أبو سيف لكي يعرضا علي الجمهور في وقت واحد, أم أن هناك “مؤامرة” ما مقصودة أرادت أن تجمع نقائض ذلك المخرج الكبير وأن تسلط عليها الأضواء.
فارق شاسع حقيقة بين ذلك الترفيه السهل الرخيص الذي يقدمه فيلم “وسقطت في بحر العسل” وبين هذه المعاناة والجهد الفني الذي يبذله نفس المخرج في محاولة لامتاع المشاهد ودفعه إلي الانفعال والتفكير في “السقا مات”. لكن هكذا كان دائما صلاح أبو سيف وأرجو ألا يغضب مني, إنه فنان حقيقي أحيانا يمنحنا الأمل في سينما مصرية أصلية ومعبرة عن واقعنا وهمومنا وأحلامنا, وفنان تاجر في أحيان أخري يبيع خبرته من أجل عائد سريع, أو إرضاء سهل لغرائز المشاهد “الجاهز” الذي تربي عشرات السنين في أحضان هذه السينما المتخلفة التي لم ترتق أبدا إلي مستوي الفن بمعناه الحقيقي والغريب أن صلاح أبو سيف يقدم الصنفين – الجيد والردي- بنفس الحماس ومع سبق الإصرار والترصد, ودون أن يكون مضطرا أو مجبرا.. أسوق هذه المقدمة قبل الكلام عن “السقا مات” وأنا أحمل لصلاح أبو سيف قدرا من الإعزاز يضاهي ما قدمه من طيبات, وهي مقدمة أشبه بمونولوج لم أستطع التخلص منه رغم انفعالي الشديد بقيلمه الأخير هذا.
في “السقا مات” يتعرض صلاح أبو سيف للهم الأكبر في هذه الحياة, الهم الذي يشغلنا جميعا, وقد شغل الانسان منذ بدأ الإنسان التفكير, ذلك هو هم الموت, وقدرة الانسان علي مواجهته, أو عجزه وإذعانه أمام هذا القدر الحتمي, ويجسد الفيلم هذه الفكرة “الصعبة” القائمة داخل إطار بسيط, ومن خلال شخصيات شديدة البساطة أيضا, لكنها تتمتع بتلقائية وفطرة فنية, تجعل ردود أفعالها مباشرة وصادقة إلي حد كبير, والشخصية الرئيسية كما يشير العنوان “سقا” أي رجل يحمل المياه في قربة فوق ظهره إلي مساكن جيرانه في الحي الشعبي الفقير الذي يقطن فيه “حي الحسينية” مقابل ملاليم قليلة, لكنه رغم قناعته يعاني من جرح غائر, يكوي أعماقه, يخفف منه إيمان قوي بالله, وبضرورة الصبر في مواجهة ويلات الحياة ومصائبها وأهمها الموت.. لقد فقد “السقا” زوجته المحبة وهي تضع طفله الوحيد, ورحلت لكي يستأنف حياته في وحدة قاسية مع أمها “أمينة رزق” التي تجسد بدورها نموذجا آخر من النماذج الإنسانية الحقيقية.

والشخصية الثانية شخصية شحاتة أفندي “فريد شوقي” الذي يمثل النقيض المقابل للسقا, إنسان حسي يستسلم لمتع الحياة ويشرب من كأسها حتي الثمالة, يعبد جسد المرأة, ويشتهي اللحم عموما, ويستسلم لكل نزواته, ولا يدخر جهدا في إشباع تلك النزوات.. صعلوك حقيقي لا يهاب الموت ويري في الخوف منه تجسيدا للجبن الذي عليه أن يلفظه كرجل “جدع”.. ومن “تصادم” الشخصيتين يتولد موضوع الفيلم, وينشأ الحوار الذي “يسمو” في أحيان كثيرة إلي حد الشفافية, وتتبلور ملامح الشخصية, ويكتسي كل منهما بسمات حقيقية تجعل منها شخصيات حية متكاملة واقعية, كما تتولد أفكار فلسفية تأتي بصورة تلقائية بعيد عن الصنعة وعن الانفعال والادعاء.
ويحقق عزت العلايلي في هذا الفيلم دورا من أحسن أدواره, لعله أحسنها عموما, فهو هنا يبرز كفنان خالق يوجه بشحنة الانفعالات وحزمة الاعصاب المرهفة, والمشاعر الفياضة في الاتجاه المطلوب تماما, وبتحكم شديد بحيث تبدو طبيعية ومقنعة إلي أقصي حد.. وأيضا فريد شوقي الذي نراه هنا ممثلا حقيقيا, وليس مجرد نمط محفوظ يؤدي شخصية تختلف تماما عن نوع الشخصيات المعتادة التي ميزت أدواره في أفلامه الأخيرة وبنفس القدر من التمكن والبساطة يرسم الفيلم شخصياته الثانوية التي تفوق بعضها إلي درجة من الإبداع الرائع, وفي ذهني “حسن حسين” الذي قدم شخصية ممتازة في هذا الفيلم, شخصية الأفندي الذي يسير أمام جنازات الموتي مع زملائه كنوع من المباهاة, وهو تقليد قديم, اختفي من “حياتنا” في حدود علمي, وفي ظني أنه كان تقليدا منقولا من صورة “الجنازات” الافرنجية في الغرب.. ويقدم صلاح أبو سيف كعادته مجموعة من الوجوه الجديدة, أهمها الطفل شريف صلاح الدين الذي قام بدور ابن السقا, و”بلقيس” التونسية التي قامت بدور زكية.
وربما كانت هناك ثغرات نستطيع أن نسوقها الآن دون حرج, ودون رغبة في النيل من أهمية هذا العمل, ثغرات تتعلق أساسا بالمشاهد الخاصة باستعادة صورة الزوجة المتوفاة داخل المقبرة بفستانها الأحمر, والمشهد الذي تلاها, والذي يعبر عن الانهيار الذي أوشك أن يهدم إيمان هذا السقا. ومشهد الخناقة التي تتم أثناء عرس “زكية” لم يكن لهذا المشهد ضرورة درامية ولم يكن متسقا مع ذلك الجو “الوجداني” المتأمل الذي يسود الفيلم.. وبنفس الإتقان كان يستطيع “إثراء” هذا العمل بمزيد من الدلالات الاجتماعية والسياسية, وكان من الممكن أن يتحول إلي قصيدة شجن تتأمل الموت والحياة والتاريخ.. هل أراني في حاجة إلي الإشارة إلي جهد يوسف شاهين المنتج الذي قام بتمويل هذا العمل, أعتقد أن مثل هذه الاشارة تعتبر مسئولية وضرورة يمليها الحرص الشديد علي إحقاق الحق, وإعطاء كل ذي حق حقه, وفارق شاسع بين أن تمول الفيلم نبيلة عبيد بطلة “وسقطت في بحر العسل” وأن يمول الثاني فنان له تاريخه مثل يوسف شاهين.
بائع: حليب وقشطة يا لبن
شحاتة: حظك من السما.. لقينا ترابيزة فاضية برة.. اقعد اقعد.. عن أذنك دقيقة واحدة..
(يلمح شحاتة افندي الشيخ سيد زميله في جوقة الجنازات, فيذهب إليه ليقترض منه قطعة مخدرات لزوم القعدة .. كما يلاحظ شوشة في جلسته لافتة جاب الله الحانوتي فيشيح بوجهة للجهة الاخري. بينما شحاتة مازال يفاوض الشيخ حتي يحصل منه علي مبتغاه, ويهرول مسرعا ناحية شوشة)
شحاتة: رزقك في رجليك.. عمك الشيخ سيد الفولي مون الليلة.. حكم عمك الشيخ سيد ده.. مخزن مخدرات متحرك.. آه ميبخلش باللي في جيبه علي حد محتاج ابداً.. منصور..
منصور : نعم
شحاتة: هات لنا تلاتة مدور واتنين شاي ..
منصور : حاضر.. اتنين شاي في الخمسينة.. وتلاتة مدور
(يلاحظ شحاتة أن جلسة شوشة تواجه لافته جاب الله الحانوتي)
منصور : طب تعالي مطرحي أحسن
(يتبادلان المقاعد)
هي ماتت من اد ايه؟ اكيد مبلقهاش مدة كبيرة
شوشة: من عشر سنين
شحاتة: واضح انك كنت بتحبها اوي..
شوشة: شحاتة افندي قفل السيرة دي وحياة ابوك
شحاتة: واقفلها ليه.. ماهو مش عامل فيك كده غير تقفيل السيرة.. خايف تفتكرها..
شوشة: أنا كنت أمتي نسيتها..
شحاتة: اومال خايف من ايه؟ خايف لا الموت يحصلك انت راخر
شوشة: ومين هيهرب منه.. ياريت ييجي عشان ارتاح
شحاتة: ده كلام.. مجرد كلام.. اسألني أنا.. اوعي تفتكر اللي بيبكوا في المياتم.. بيبكوا علي المرحوم.. ابداً.. معظمهم بيبكوا علي نفسهم.. خايفين من الموت عشان كده بيبكوا مقدما.. وفيه ناس تفضل تبكي لحد ما تموت فعلا.. وياما ناس عايشة علي وش الارض ميتين.. مع ان ربنا خلقهم عشان يعيشوا.. الناس من كتر خوفها من الموت عايشين ميتين.. عاملين زي موظفين الحكومة.. طول عمرهم خايفين يترفدوا..
شوشة: ياه.. ده انت كلامك كبير اوي
شحاتة: لا كبير ولا ديالوا.. كل العبارة اني أنا عايش في الدنيا أعمال حرة.. تخبط اخبط معاها.. تعدل اعدل معاها.. مش خايف منها ولا باقي عليها.. ملعون ابوها تغور وقت ما هي عايزة
شوشة: يا سلااام.. ده كلام موزون بشكل
شحاتة: ما هو أصل يا شوشة يا خويا.. الموت جي جي مفيش كلام.. أبقي البعيد حمار لو اقعد استناه.. ييجي وقت ما ييجي.. بس أنا كمان لازم أخد مزاجي.. زي هو ما هياخد حقه مني.. أنا كمان أخد حقي من الدنيا..
شوشة: يا سلام .. عليا النعمة حنفية كلام حلو..
شحاتة: ولما هو حلو.. مبتاخدش حقك من الدنيا ليه؟ بصراحة بقي ولامواخذة أنت سايب حقك.. واللي يسيب حقه في الدنيا يبقي راجل مش جدع
شوشة: بتغلط يا شحاتة.. أنا مش جدع
شحاتة: سيد الجدعان.. بس خايب.. ديب وهجم عليك وكل منك اللي بتحبها.. بدل ما تدور عليه وتقتله.. لأ.. قاعد تستناه لغاية ما يأكلك انت راخر.. بالذمة دي جدعنة ولا خيابة.. يا راجل ده الحمار لما بيتنزق بيرفص.
– قطع-
عاش “شوشة” خائفا من الموت مرعوبا من سيرته, وهو الذي خطف منه “آمنة” حبيبة القلب وأم ولده, وتصادف أقداره أن تلقي في طريقه شخصا ممن يصحبون العباد في مشوارهم الأخير, مما أصابه بالهلع والرعب الشديدين, فالرجل كان يتجنب الحديث.. مجرد الحديث عن الموت, كيف يقبل أن يجاوره شحاته أفندي والذي جسد الموت أمام عينه, لكن الأقدار كانت رحيمة بهذا البائس “شوشة”, فبدلا من ازدياد حالات الرجف, يفلسف هذا القادم شبح الموت ويزيح عن كاهله كل الهواجس التي اجتاحته.. ويفسح له طريق من الطمأنينة, حتي ولو للحين.. يكتب سعيد مراد في المجلة السورية السينما العربية: إذا كان الموت يتخلل عالم “شوشة” من حيث أنه خطف “احسن مخلوقات الدنيا بالنسبة إليه, فالموت بالنسبة لشحاتة شاهد “حي” علي أحقية التمسك بالحياة والاستمرار بتذوقها رغم تهديده وغدره وجبنه..
عالمان متناقضان يمثلهما شوشة السقا المنكفئ علي ذاته, المتدين, الذي كتب علي نفسه الحرمان من ملذات الحياة بعد آمنة, الطيب الشهم, الساذج, الورع, وشحاتة الطيب, ابن الحلال, المحب للحياة الدنيوي الشهواني, الساخر من الموت, والذي يعيش حياة لا حدود لبؤسها ولكنه يحلم بنيل المسرة علي الدوام.. علاقة صادقة بين الاثنين, بل ويحمل شوشة صديقة شحاته علي العيش في غرفة المنزل الذي يعيش فيه, وهكذا يتجاور العالمان , ويتفاعلان من خلال المكاشفة و التعرف أعمق فأعمق كل علي الآخر. ويبدأ شوشة بتأثير شحاتد بالخروج م ن عزلته, فيرافقه إلي المقهي, ويدخن معه



