عقارات مصر المخالفة.. كلمة السر “الخميس والجمعة”
كتبت/ ميرا فتحي
على مدار سنوات، اعتاد المقاولون وزبائنهم الذين يرغبون في إضافة أدوار زائدة عن قدرة المبنى المصرح به، أن يبدأوا عمليات البناء السرية ليلة الخميس والجمعة، مستفيدين من الإجازات الرسمية للمسؤولين المحليين في مصر، وأيضا من عدم ضغف حركة المارة في الشارع، ليفاجأ السكان مطلع الأسبوع بأن طابقا زائدا قد بُني ليلا.
هذه قصة قصيرة لأبراج طويلة شقت طريقها إلى السماء، فيما لم تضرب جذورها الأرض بالشكل الهندسي الملائم في مصر.
ومع هذه الأبنية الشاهقة التي تتراص جنبا إلى جنب وتفصلها أزقة ضيقة، يمكن لأي كارثة أن تحدث، فإما حريق يهدد الجميع أو بناء ينهار مسببا أضرارا بشرية مخيفة.
ومن بين تلك “العقارات السوداء” في مصر، تسبب واحد في كارثة كبرى في حي الهرم بعد أن ظل مشتعلا لأربعة أيام تقريبا، في الوقت الذي صدر به قرار بعد تدخل قوات الحماية المدنية مرة أخرى في الحريق لكي لا يسقط البناء في أي لحظة، بعد أن تمت السيطرة على النيران التي أكلت الأخضر واليابس.
ولم يكن العقار مطابقا للمواصفات الفنية الموافق عليها من الجهات الرسمية في مصر، حسب التحقيقات.
ما حدث من أزمات في العقار المحترق، بجانب وجود مصنع ومخزن يحتوي على مواد قابلة للاشتعال، واعتماد البدروم على كتل خرسانية كاملة، كان لابد معه فتح التساؤل حول طبيعة البناء العشوائي في مصر، وهل من الممكن أن يتم إنقاذ عدد كبير من العقارات قبيل حدوث كارثة مماثلة عن طريق خبراء الهندسة؟
لجان معاينة
يقول وكيل نقابة المهندسين السابق الاستشاري محمد النمر، إنه لا بد أن تكون هناك قوة رادعة لأي مالك يخرج عن الأطر العامة والاشتراطات الخاصة بالبناء، منوها أن “هناك دورا رئيسيا يقع على كاهل المسؤولين في الأحياء، الذين يتركون المقاول يبني كيفما شاء دون تدخل أو إبلاغ”.
وتابع “النمر” في حديثه لموقع “الجالية”، أن “اشتراطات الارتفاعات لا يتم العمل بها في كل العقارات المخالفة، حيث من الممكن أن ترى شارعا عرضه لا يتعدى بضعة أمتار وفيه برج يرتفع لأكثر من 10 طوابق، وهو ما يعتبر كارثة حقيقية تهدد سلامة المواطنين”، مضيفا أن “كل عقار لا بد له من رسم هندسي رسمي من قبل استشاري، ورخصة، بجانب موافقة من الحماية المدنية التي تنظر في إمكانية إقامة مصنع أو مخزن في الأسفل، ومدى سعة الممرات والأماكن التي يتم وضع فيها طفايات حريق”.
وأشار وكيل نقابة المهندسين السابق إلى أن “هناك كارثة كبرى في العقارات المخالفة أيضا، تتمثل في المصاعد المخالفة التي لا بد لها من اشتراطات واضحة، لكن غالبية العقارات تحتوي على مصاعد رديئة الصنع من دون أي قواعد أمان، وهو ما يهدد بسقوط المصاعد وإزهاق الأرواح”.
ويأمل النمر أن تكون هناك لجنة هندسية حرفية تفحص جميع العقارات المخالفة وتكتب تقريرا عن كل واحد، مع الإبقاء فقط على الأبنية التي يمكن علاجها وإلزام المالك بذلك، أما العقارات التي لا يمكن إصلاحها فتكون هناك مهلة لمغادرتها ثم هدمها، فالأرواح أهم بكثير من الأموال.
عقار الهرم المشتعل
وفي حي الهرم، وقع حريق بأحد الأبراج السكنية القريبة من الطريق الدائري الذي تسلكه يوميا عشرات الآلاف من السيارات للذهاب لأعمالهم، وهو ما تسبب في أزمة مرورية كبيرة، خاصة أن النيران استمرت لأكثر من 72 ساعة.
وكشفت التقارير الهندسية أن العقار مخالف، وتم بناؤه من دون ترخيص وعلى أرض زراعية، بجانب تحويل الأدوار الأرضي والأول والثاني لمصنع ومخزن للأحذية بكميات كبيرة، علما أنها كانت تحتوي على مواد قابلة للاشتعال تستخدم في التصنيع.
وفي الوقت نفسه أعلنت النيابة العامة في بيان رسمي لها، أن العقار لم يتوافر به أي من شروط الأمن والسلامة، وندبت خبراء المعمل الجنائي لمعاينته ودراسة الشبهة الجنائية أو الإهمال، وحصر ما نجم من خسائر بسبب الحريق، فضلا عن تأثر العقارات المحيطة به.
ملايين المخالفات
ويرى أستاذ الإدارة المحلية حمدي عرفة أن الاشتراطات الخاصة بالبناء التي تؤكد أن طول العقار لا بد وأن يكون بمقدار عرض الشارع مرة ونصف يصعب تنفيذها، فـ”90 بالمئة أو أكثر من العقارات المصرية حينها ستكون ملزمة بارتفاع 6 أدوار بجانب الأرضي”، منوها أن هناك ملايين العقارات المخالفة في مصر التي أغفلت معايير الأمان والسلامة.
وتابع عرفة في حديثه لموقع “الجالية”، أن ما حدث في برج الهرم المشتعل “خطر جسيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالعقار مخالف للاشتراطات، ووجود مصنع ومخزن في الأسفل أدخل جهات أخرى دائرة المسؤولية، منها وزارة البيئة ووزارة الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى المحليات أيضا”.
وأكد الخبير الأكاديمي أن “المخازن لا بد لها من اشتراطات معينة تضعها إدارة الحماية المدنية، تتعلق بالتهوية وسُمك المبنى وتوزيع طفايات الحريق”، منوها أنه “في حال تكليف المقاولين بالبناء، لا بد أن يكون مقاولا تابعا للاتحاد العام للمقاولين، وهو ما لا يحدث في ملايين العقارات في مصر”.
ووفقا لآخر تقرير تم تقديمه من الحكومة المصرية لمجلس النواب، فإن عدد العقارات المخالفة وصل إلى 2.8 مليون على مستوى الجمهورية، بينما وصل عدد الأداور المخالفة إلى أكثر من 396 ألفا.
الخميس والجمعة كلمة السر
وخلال السنوات الأخيرة، بني عدد كبير من الأبراج المخالفة في وقت قياسي، فبين ليلة وضحاها يفاجأ السكان أن العقار قد تم تشييده، وسرعان ما يبدأ بيع وحداته حتى قبل اكتمال البناء.
ويؤكد المهندس المعماري محمد عسكر لموقع “الجالية”، أن غالبية الإنشاءات تتم يومي الجمعة والنصف الثاني من يوم الخميس التي تكون فيها الأحياء في إجازة.
لكن في هذا البناء “السريع”، عادة ما تستخدم مواد كيميائية تسرع جفاف وتماسك الخرسانة وخليط الأسمنت.
ويقول إسلام يحيى، وهو مهندس معماري، لموقع “الجالية”، إن كل طابق يحتاج إلى نحو 25 يوما لكي يجف ويتماسك تماما مع الخرسانة، وكلما أردت إضافة طوابق جديدة يجب الانتظار أياما إضافية، وفي حال الحاجة لتقليص المدة يمكن الاستعانة بالوحدات مسبقة الصب، لكنها مكلفة للغاية.
ويضيف يحيى أن “ما قد يحدث من ضعاف النفوس من المقاولين، أنهم لا ينتظرون لكي يجف البناء بشكل سليم، ويستأنف البناء مع الاعتماد على نسبة أسمنت أعلى من الطبيعي لتسريع تماسك الخرسانة، لكن ذلك يسبب مشكلات كبرى في المستقبل”.
وقال إن “السلطات المحلية عليها عبء الملاحقة القانونية والمراقبة، وكذلك على صاحب العقار الاهتمام بالرسم الهندسي والاستعانة بالمختصين”.