مني النمر تكتب: الواقع ليس عدوا ..
كنت أتصور الحياة بشكل آخر …
كنت أظنها هادئة ، مستقرة ، تسير بخط مستقيم كما تمنيت لها أن تكون …
كنت أرى المستقبل طريقا واضحا لا يحتاج سوى خطوات ثابتة ، وأعتقدت أن الأحلام إذا صدقت النية تجاهها فهي تأتي وحدها تباعاً ، كما تتوالى فصول السنة …
كنت أظن أن العلاقات تبنى بالكلمات الطيبة ، وأن المحبة وحدها تكفي ، وأن البيوت تكبر على الوعود فقط …
لكن حين فتحت الباب ورأيت العالم كما هو ، أدركت أن الحياة ليست صورة واحدة ، بل لها آلاف الصور التي تتغير أمام أعيننا دون استئذان …
أدركت أن كل شيء يتحرك ، يتبدل ، ينقص ويزيد …
وأن الحب لا يشبه الروايات ، ولا يشبه المشاهد المكررة التي حفظناها في الافلام …
اكتشفت أن الحب أعمق من ذلك بكثير ، وأصعب ، وأصدق …
يحتاج جهد ، وصبر ، ومساحة واسعة من الفهم …
تعلمت أن البيوت لا تبنى بالكلام … بل بالمواقف و الرحمة و المساندة …
بالوقوف في الأوقات الصعبة ، بالقدرة على الإصلاح لا الهدم ، وبالقدرة على الصبر لا الهروب …
وأن الذين نحبهم قد يخذلوننا يوما ، ليس لأنهم سيئون ، ولكن لأنهم بشر …
وأن الذين كنا نظنهم عابرين قد يمنحوننا دفءً يبقى معنا لسنوات …
كنت أظن أن الطريق الذي رسمته في خيالي هو الطريق الوحيد …
لكن الواقع علمني أن الطرق تتفرع ، وأننا أحيانا نصل إلى أماكن لم نفكر يوما أن نمر بها ، ومع ذلك نجد أنفسنا فيها و أنها أصبحت جزءً منا …
تعلمت أن ما نريده لا يأتي دائما حين نطلبه ، وأن بعض الأمنيات تحتاج أن ننضج قبل أن نقترب منها …
نحن لا نخسر حين تتغير خططنا ، بل نخسر فقط حين نتوقف عن المحاولة .
فالحياة لا تعطي أحدا كل شيء ، لكنها تعطي كل واحد ما يحتاجه كي يجد نفسه يوما ما …
وأحيانا نحتاج الألم أيضاً ، لكي نعرف قيمة الطمأنينة …
ونحتاج الغياب لنفهم معنى الحضور …
ونحتاج أن ننكسر مرة ، كي نعرف كيف ننهض بقوة في المرة التالية …
الواقع ليس عدوا …
الواقع هو الحقيقة التي نكبر معها .
هو المكان الذي نكتشف فيه أنفسنا من جديد بعد كل خطوة …
وأجمل ما في الأمر أننا دائما قادرون على البدء مرة أخرى …
قادرون على إعادة ترتيب أحلامنا ، وتخفيف توقعاتنا ، والنظر للحياة بعيون أكثر نضجا وأقل خوفا …
الطريق الحقيقي يبدأ عندما نتصالح مع ما هو أمامنا ، لا مع ما رسمناه في عقولنا .
عندما نفهم أن الجمال لا يأتي دائما في الصورة التي تمنيناها ، بل في الصورة التي نحتاجها …
وعندما ندرك أن كل خسارة حملت هدية مخفية …
وكل ألم كان يعلمنا شيئا أقرب إلينا منا …
اليوم …
أنا لا أطلب من الحياة أن تكون مثالية …
أنا أطلب فقط أن أراها كما هي …
وأتعامل معها بقلب هادىء ، يعرف أن ما كتب لي لن يذهب لغيري …
وأن ما ذهب … لم يكن مكاني من البداية …
وبين ما كنت أتوقعه ، وما أنا عليه الآن …
كبرت …
وهدأت …
وفهمت نفسي أكثر …


