السودان يوّجه نداءً للمجتمع الدولي لوضع حد لمجازر “الدعم السريع”

متابعة: حامد خليفة

شدّد القائم بأعمال السفارة السودانية في إيطاليا عماد الدين ميرغني عبد الحميد التهامي، مساء أمس، على ضرورة أن يتابع المجتمع الدولي عن كثب الأحداث في السودان، حيث تتزايد المجازر التي ترتكبها قوات الدعم السريع في مواقع عديدة، وكانت الفاشر الحدث الأشد مأساوية، حسبما ذكرت وكالتي نوفا الإيطالية والوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.

وفي مؤتمر صحفي عُقد خصيصًا لإطلاع الصحفيين على الوضع الإنساني المأساوي في السودان، بعد تحوّله إلى مسرح لحرب أهلية دامية لأكثر من عامين ونصف، قال الدبلوماسي السوداني: “لقد التزم الغرب الصمت لمدة 31 شهرًا بشأن المجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع”، في إشارة إلى الميليشيات التي يقودها الفريق دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.

عشرات المجازر

وأوضح التهامي، بعد عرض فيديو طويل يُظهر بعضًا من أكثر الأحداث دموية في الأسابيع الأخيرة، عقب سقوط مدينة الفاشر – التي حاصرتها قوات الدعم السريع لمدة 18 شهرًا – في أيديها في 26 أكتوبر: “مجزرة الفاشر ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة من المجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في 130 موقعًا سودانيًا آخر، في دارفور وكردفان ومناطق أخرى خاضعة لسيطرتها”.

وشملت هذه الإعدامات خارج نطاق القضاء قتل عشرات المدنيين الفارين من المدينة، ومذبحة راح ضحيتها أكثر من 450 شخصًا من المرضى أو العاملين في مستشفى الأطفال السعودي بالمدينة.

غزو خارجي

في 26 أكتوبر، استذكر التهامي أن ميليشيات قوات الدعم السريع “شنت حربًا شاملة على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مرتكبةً عمليات قتل عرقي جماعي ومجازر وأعمال إبادة جماعية”، مؤكدًا أن الحرب في السودان “ليست صراعًا داخليًا على الإطلاق، بل غزو خارجي شامل”.

وكان يشير إلى الإمارات العربية المتحدة، التي وُثِّق دورها في إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والتمويل منذ فترة طويلة، مع شحنات شملت ليبيا وولاية بونتلاند الصومالية شبه المستقلة.

ثم حثّ التهامي “المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول والمجتمع المدني على التدخل الفوري ومحاسبة قوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة على الجرائم البشعة الموثقة”، داعيًا إلى التمييز بين القوات المسلحة السودانية و”ميليشيا قوات الدعم السريع الإرهابية”.

وأضاف القائم بالأعمال أنه “بناء على الحقائق، لا ينبغي المساواة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”، داعيا المجتمع الدولي إلى “إتخاذ موقف حاسم” لحماية “مصداقيته”.

وردا على سروال للوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام عن الموقف العربي والدولي، قال الدبلوماسي السوداني إن الجامعة العربية والدول العربية تقف بجانب السودان لكن المنظمات الدولي ظلت صامته اكثر من 30 شهر على مذابح الأبرياء، مضيفًا: “أرفع صوتي لأنادي الضمير العالمي ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن تقف بجانب السودان الذي يتعرض لأعنف المجازر ولكي يضغط على القوى الممولة للإرهاب لوقف دعمها المجرمين”.

الحوار “غير وارد”

وردًا على سؤال من “وكالة نوفا”، أكد التهامي أن الحوار مع قوات الدعم السريع “مستبعد” حاليًا، وأن الشائعات المتداولة حول إمكانية توافق الطرفين على مقترح الهدنة الذي قدمته الولايات المتحدة “غير واردة”.

وبحسب التهامي، الذي يتولى منصب السفير، فلن يكون هناك حتى أي لقاء بين الجنرالين المتحاربين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان المعروف باسم “حميدتي”، في حين أن زيارة حميدتي المرتقبة إلى مصر “تندرج ضمن العلاقات الطبيعية بين رؤساء الدول”.

تصريحات تبدو متناقضة مع ما صرح به مستشار رئيس الولايات المتحدة للشؤون الأفريقية مسعد بولس أمس في حديثه للصحفيين في القاهرة، حيث صرّح بأن الجيش السوداني لا يعارض “مبدئيًا” مبادرة هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر. وأن طرفي النزاع قد حظيا بقبول مبدئي، وأن الجهود الأمريكية تُركّز حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق.

وقال بولس: “توصل الطرفان إلى اتفاق مبدئي، ولم نُسجّل أي اعتراضات مبدئية من أيٍّ منهما. ونُركّز الآن على التفاصيل”، مُشدّدًا على أن الهدف الحالي هو التوصل إلى اتفاق بشأن إطار شامل لوقف إطلاق النار، ثم تمهيد الطريق لمرحلة ما بعد الهدنة.

وسيستغرق التوصل إلى إتفاق هدنة وقتًا نظرًا “للتفاصيل الفنية والأمنية واللوجستية المُعقّدة”، بما في ذلك آليات الرصد والمتابعة والتنفيذ.

يأتي كل هذا وسط تصاعد القلق والإدانات من المنظمات الدولية بشأن الوضع الإنساني المتردي في البلاد، حيث حذّر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أمس من أن الفظائع المرتكبة في مدينة الفاشر السودانية، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع مؤخرًا بعد حصار دام 18 شهرًا، قد تُشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأعرب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن “قلقه العميق” إزاء التقارير التي تفيد بوقوع جرائم قتل جماعي واغتصاب وجرائم أخرى يُزعم ارتكابها في عاصمة شمال دارفور. وقال مكتب المدعي العام في بيان: “هذه الفظائع جزء من نمط أوسع من العنف الذي طال منطقة دارفور بأكملها منذ أبريل 2023. وقد تُشكّل هذه الأعمال، في حال ثبوتها، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي”.

وسيطرت قوات الدعم السريع على المدينة في 26 أكتوبر، مُطيحةً بآخر معاقل الجيش في منطقة دارفور غرب السودان. وفقًا للأمم المتحدة، فرّ أكثر من 65 شخص من الفاشر منذ ذلك الحين، منهم حوالي 5 إلى بلدة طويلة القريبة، لكن عشرات الآلاف لا يزالون محاصرين. قبل الهجوم الأخير، كان يعيش في المدينة حوالي 260 شخص.

ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، نزح حوالي 71 شخص قسرًا من الفاشر خلال أسبوع واحد، منهم حوالي 8.600 شخص بين 1 و2 نوفمبر وحده. وذكرت المنظمة في بيان لها: “من 26 أكتوبر إلى 2 نوفمبر، نزح ما مجموعه 70.894 شخصًا من الفاشر والمناطق المحيطة بها”.

ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، وردت تقارير عن عمليات إعدام وعنف جنسي ونهب وهجمات على عمال الإغاثة واختطاف في المدينة ومحيطها، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة إلى حد كبير.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء السوداني كميل إدريس حالة التأهب في جميع المؤسسات الحكومية والبعثات الأجنبية ردًا على الفظائع المزعومة التي ارتُكبت في الفاشر وبارا، شمال كردفان، لوقف ما وصفته بأعمال “تطهير عرقي وإبادة جماعية ومجازر وحرب وتعذيب”، ودعت الشعب السوداني إلى التوحد ضد ما وصفته بـ”عدوان وحشي يستهدف الوطن بأسره”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى