روجينا فتح الله تكتب: ما بعد الافتتاح.. من يحرس ذاكرة الوطن؟

لا شيء يُفرح القلب مثل مشهد افتتاح متحف جديد أو إعادة فتح موقع أثري بعد سنوات من الترميم، فكل حجر من آثارنا يروي فصلاً من تاريخ الإنسانية، لكن خلف مشاعر الفخر والانبهار، يطل سؤال لا يقل أهمية: كيف نحمي هذا التراث من السرقة والإهمال بعد أن نفتح أبوابه للعالم؟

إن تأمين الآثار ليس مجرد إجراءات أمنية وكاميرات مراقبة، بل هو فعل وعي ومسؤولية وطنية تبدأ قبل لحظة الافتتاح ولا تنتهي بعدها. فالتاريخ أثبت أن الخطر الحقيقي على كنوزنا لا يأتي فقط من لصوص الآثار، بل أحيانًا من الإهمال، ومن غياب الرقابة المستمرة، ومن اعتبار الافتتاح هو النهاية وليس بداية جديدة لمسؤولية طويلة الأمد.

روجينا فتح الله

نحتفل بالافتتاحات في أجواء مهيبة، وننشر الصور والفيديوهات بفخر، لكن ما إن تُغلق الكاميرات، حتى يعود الموقع الأثري إلى واقعه اليومي: زوار، عمال، حراس، ومسؤولون. هنا يظهر التحدي الحقيقي — كيف نحافظ على الانضباط والاهتمام نفسه بعد الافتتاح؟ فالحماية ليست حدثًا مؤقتًا بل منظومة متكاملة من التخطيط، والتدريب، والمتابعة، والتكنولوجيا.

اليوم، تمتلك مصر وعدد من الدول العربية منظومات متطورة لتأمين المواقع الأثرية، تتنوع بين أنظمة إنذار ذكية، وكاميرات مراقبة عالية الدقة، وتوثيق رقمي لكل قطعة أثرية. ولكن، التقنية وحدها لا تكفي، فالعنصر البشري هو خط الدفاع الأول والأهم. تدريب الحراس والعاملين على كيفية التعامل مع الزوار، ومع أي طارئ أمني أو بيئي، لا يقل أهمية عن تركيب الأجهزة الحديثة.

وفي المقابل، يظل الوعي المجتمعي هو الحصن الأكبر. حين يدرك المواطن والزائر أن هذه القطع ليست مجرد حجارة أو تماثيل، بل جزء من هويته وذاكرته، يصبح كل فرد حارسًا في موقعه. فكم من جرائم سرقة أو عبث تم إحباطها بفضل يقظة أحد المواطنين أو العاملين في الموقع.

لكن هناك أيضًا تحديات حقيقية لا يمكن تجاهلها: محدودية التمويل في بعض المناطق الأثرية، ضعف الإضاءة أو المراقبة في المواقع المفتوحة، وعدم كفاية الكوادر المتخصصة. وهنا تبرز الحاجة إلى رؤية طويلة الأمد تضع الأمن الأثري ضمن أولويات الدولة، لا كمهمة ثانوية بل كجزء من الأمن القومي الثقافي.

في النهاية، حماية الآثار ليست مسؤولية وزارة بعينها، بل مسؤولية مجتمع بأكمله. لأن ما نملكه من تراث ليس ملك الحاضر فقط، بل هو رسالة من الماضي إلى المستقبل. وإذا لم نحسن حراستها، سنفقد جزءًا من هويتنا ومن صورتنا أمام العالم.

فبعد كل افتتاح، يبقى السؤال مفتوحًا: هل لدينا ما يكفي من الوعي والإرادة لنحرس ذاكرة الوطن؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى