التأمين الأخضر: ركيزة استراتيجية لتعزيز الاستدامة ودعم التحول نحو الطاقة المتجددة

كتب /  عاطف طلب

أصبحت قضايا البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) محركًا رئيسيًا لاستراتيجيات شركات التأمين عالميًا. فلم يعد دور هذه الشركات يقتصر على إدارة المخاطر التقليدية، بل توسع ليشمل التعامل مع تحديات أكثر تعقيدًا ترتبط بالاستدامة والتغير المناخي. وقد عززت شركات التأمين دورها في التنمية المستدامة من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

  1. قرارات الاكتتاب: اختيار العملاء والقطاعات المتوافقة مع معايير الاستدامة.
  2. قرارات الاستثمار: توجيه الأموال نحو أصول ومشروعات تحقق أهدافًا بيئية واجتماعية طويلة الأجل.
  3. التوعية والتواصل: تثقيف العملاء حول قضايا الحوكمة البيئية والاجتماعية.

لقد غدت معايير ESG عنصرًا حاسمًا في تقييم المخاطر التي تواجه أصول والتزامات شركات التأمين، حيث تؤثر على حجم المطالبات السنوية، وقيمة المحافظ الاستثمارية، بل وتمتد لتشمل سمعة الشركة وقدرتها التنافسية. ومع الاتجاه المتزايد للتشريعات العالمية نحو فرض ضوابط وإفصاحات مرتبطة بالاستدامة، لم يعد إدماج هذه المعايير ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار والنمو.

 

مفهوم التأمين الأخضر والتمويل المستدام

 

يُعد التمويل المستدام الإطار الأشمل الذي يدمج العوامل البيئية (E)، والاجتماعية (S)، والحوكمة (G) في اتخاذ القرارات الاستثمارية، بهدف توجيه رأس المال نحو مشاريع تحقق عائدًا اقتصاديًا وتُعزز الأهداف البيئية والاجتماعية.

ويظهر التأمين الأخضر كأداة مالية متقدمة في هذا الإطار. فهو ليس مجرد منتج، بل إطار عمل شامل يدمج مبادئ الاستدامة في جميع جوانب الصناعة. ويمكن تعريفه بأنه مجموعة المنتجات والخدمات والممارسات التأمينية التي تهدف إلى:

  • تغطية المخاطر البيئية (كالكوارث المناخية مثل الفيضانات وحرائق الغابات).
  • دعم المشاريع والتقنيات الخضراء (مثل مشاريع الطاقة المتجددة والمباني الخضراء).
  • تحفيز السلوكيات المستدامة لدى الأفراد والشركات.

وتشمل منتجات التأمين الأخضر تغطية مشاريع الطاقة المتجددة (الشمسية، الرياح، الهيدروجين الأخضر)، وتأمين السيارات والمباني الموفرة للطاقة، وتقديم منتجات مبتكرة مثل التأمين المعياري الذي يوفر تعويضات سريعة ومباشرة عند وقوع ظواهر طبيعية محددة.

 

دور التأمين الأخضر في دعم الطاقة المتجددة

 

تواجه مشاريع الطاقة المتجددة تحديات مالية وتشغيلية كبيرة، أبرزها ارتفاع التكلفة الاستثمارية الأولية، وعدم اليقين بشأن الإيرادات نتيجة لتقلبات الطقس، بالإضافة إلى المخاطر التشغيلية والطبيعية.

وهنا يلعب التأمين الأخضر دورًا أساسيًا في تحسين الجدوى المالية لهذه المشروعات من خلال:

أولاً: تعزيز الأمن المالي وثقة المستثمرين

 

  • ضمان التمويل: بتقليل المخاطر المرتبطة بالمشاريع (كالأعطال أو الكوارث المناخية)، يصبح المشروع أكثر جاذبية للمستثمرين والممولين.
  • استقرار التدفقات النقدية: يتم تعويض الخسائر الناتجة عن الكوارث أو الأعطال بسرعة، لا سيما مع استخدام منتجات التأمين المعياري، مما يضمن استقرار التدفقات النقدية للمشروع.
  • زيادة الثقة المؤسسية: مشاركة شركات التأمين في تغطية هذه المشروعات تبعث برسالة ثقة قوية للأسواق، مما يشجع على تدفق رأس المال نحوها، ويسد فجوة التمويل.

 

ثانياً: تحفيز السلوكيات والفوائد النوعية

 

  • تشجيع الممارسات المستدامة: يشجع التأمين الأخضر الشركات والأفراد على تبني ممارسات صديقة للبيئة من خلال منح حوافز أو خصومات على الأقساط للمؤسسات التي تطبق تقنيات موفرة للطاقة أو تدابير للحد من المخاطر.
  • رفع مستوى الوعي: يساهم في ترسيخ ثقافة المسؤولية البيئية والاجتماعية لدى حملة الوثائق، مما يقود إلى تغييرات سلوكية تعزز الاستدامة على المدى الطويل.

 

خارطة طريق شركات التأمين نحو دمج معايير ESG

 

لتحقيق أقصى استفادة من الفرص التي يوفرها التأمين الأخضر، تحتاج شركات التأمين إلى اتباع خارطة طريق ترتكز على أربعة محاور:

  1. ربط الهدف الاستراتيجي بالاستدامة: إعادة صياغة الأهداف لتعكس التزامًا فعليًا تجاه البيئة والمجتمع، بدلًا من التركيز على الأرباح قصيرة الأجل فقط.
  2. الطموح والشفافية في القياس والإفصاح: اعتماد مؤشرات واضحة ودقيقة لقياس الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمي، والنشر الشفاف للتقارير (أسوة بالتقارير الدولية المتقدمة).
  3. دمج معايير ESG في نموذج الأعمال: أن تكون مخاطر المناخ جزءًا أساسيًا من أجندة مجالس الإدارة. ويتجسد ذلك في التخلي التدريجي عن الاستثمارات عالية الانبعاثات (كالفحم)، وتوجيه الاستثمارات نحو الأصول التي تحقق نتائج بيئية واجتماعية إيجابية.
  4. التعاون في السياسات والمبادرات: التعاون الواسع النطاق مع الحكومات والهيئات التنظيمية والمبادرات الدولية (مثل الأمم المتحدة) لدفع عجلة التشريعات الفعالة وتحسين جودة التقارير وتعزيز الشفافية.

 

جهود التحول الأخضر في مصر

 

يُعد دعم السياسات الحكومية واللوائح التنظيمية أمرًا حاسمًا لنجاح برامج التأمين الأخضر، وهو ما يتجسد في الجهود المصرية:

الهيئة العامة للرقابة المالية

 

تضطلع الهيئة بدور محوري في دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، ومن أبرز جهودها:

  • إدراج شهادات خفض الانبعاثات الكربونية كأدوات مالية، ووضع قواعد قيدها وتداولها في البورصات المصرية.
  • تطوير البنية التحتية لسوق الكربون واعتماد معايير سجلات الكربون الطوعية المحلية.
  • إنشاء المركز الإقليمي للتمويل المستدام لتقديم الأدوات المالية الصديقة للبيئة وتعزيز الوعي والتدريب في المنطقة.

اتحاد شركات التأمين المصرية

 

يؤكد الاتحاد أن تبنّي مفهوم التأمين الأخضر يمثل خيارًا استراتيجيًا ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030. ويوصي الاتحاد بأهمية:

  • ابتكار منتجات وخدمات تحفّز العملاء على اعتماد حلول منخفضة الانبعاثات وداعمة للطاقة المتجددة.
  • المساهمة في تمويل المشروعات البيئية من خلال دعم إصدار السندات الخضراء والاستثمارات المستدامة.

نحو مستقبل مستدام

 

يواجه التأمين الأخضر تحديات مرتبطة بضعف الوعي وارتفاع تكلفة بعض الأقساط، ومحدودية البيانات التاريخية للمخاطر في قطاع الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يفتح فرصًا لبناء نماذج أكثر دقة للتنبؤ بالمخاطر.

وفي الختام، فإن التأمين الأخضر ليس مجرد أداة لإدارة المخاطر، بل هو ركيزة استراتيجية تعمل على:

  1. تعزيز المرونة المالية للمشاريع والمنشآت في مواجهة الكوارث المناخية.
  2. تحفيز السلوكيات المسؤولة بيئيًا واجتماعيًا.
  3. دعم التحول نحو الطاقة النظيفة من خلال سد فجوة التمويل وزيادة الجدارة الائتمانية لمشروعاتها.

ويتطلب نجاحه بناء إطار متكامل يجمع بين التغطيات التأمينية المتخصصة، وآليات التمويل المستدام، ودعم الحكومات عبر سياسات وتشريعات تشجع على النمو الأخضر. هذا التوافق هو ضرورة حتمية لبناء مستقبل مستدام يحقق الأهداف العالمية والمحلية في مجال التنمية والعمل المناخي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى