طقم أسنان.. قصة قصيرة
بقلم/ طارق سليم

لم يكن مستقرا علي حال.كان يدخل البيت ويخرج .يسير شاردا في طرقات القرية يشعر بحالة من الوهن الشديد عظامه لاتقوي علي حمل جسده النحيف حالة من الألم الشديد تعتري جسده هناك مطرقة تدق راسه نظراته زاءغة ومنطفءة.
حاول النوم لكن الألم حال دون نومه.يده غير قادرة علي حك ظهره.اسراب من النمل تسير تحت جلده.اشياء تجري تحت جلده.يشعر وكأن جلده فصل عن لحمه.عرق بارد يتصبب منه.نصف وجهه وجسده يعرق والنصف الأخر بلاعرق.حالة من الجفاف في لعابه وسرعان مايمتليء فمه باللعاب.بيد مرتعشة اعد لنفسه كوبا من الشاي.ارتشف منه رشفة ثم تركه.اشعل سيجارته ثم قذفها أرضا في منتصفها. الشاي غير مستساغ وكذلك طعم الدخان.هناك مرا رة في حلقه.نفسه عافت الطعام . كان غير قادر علي التحمل وكبح الألم. ضرب راسه في الحائط أكثر من مرة. تمدد في فراشه قاذفا بساعديه جانبا. شاخصا في سقف الغرفة.لكنه سرعان ماانتفض من فراشه لينام أرضا علي الحصير. فهو يخشي النوم علي الفراش وهو علي هذه الحال خزيا مما حدث في السابق أكثر من مرة .حينما رأت اخته بلل الفراش بالبول أكثر من مرة. حينما لايجد مايشتهيه ويطلبه الجسد ينساب بوله في نومه دون تحكم.فالجسد يتطرب والأعصاب لاتتحكم في شيء. انه في حاجة الي جرعة الهيروين او الافيون سواء كان طبيعي او تخليقي من الصيدلية.والصيدلي يبيع القرص الواحد بعشرات أضعاف ثمنه.انه في حاجة قاهرة الي المال. لايجد مايسرقه بعدما سرق كل شيء. قرط اخته واجولة القمح والذرة والارز والسماد. سرق عنزة جارهم.وقرط طفلة من الجيران.وكاد الأمر يتحول لكارثة لولا تدخل والده وبعض كبار القرية وتسوية الأمر بدفع ثمن القرط مع مرارة الإعتذار. الكل أصبح يخشى وجوده في القرية.
شارف علي الاربعين ولم ولن يتزوج بعدما اكل المخدر رجولته. سيرته ملطخة. لن يقبل احد مصاهرته وان رغب. توفت والدته منذ سنتين وهي غاضبة عليه. في أواخر مرضها كانت تشير بيدها رافضة دخوله عليها بعد ان عطل مرضها كلامها.والده الفلاح البسيط المسالم كان يبكي وحده من خيبة أمله في ولده الوحيد .ولد علي ثلاث بنات.تم زواج اثنتين وتبقت واحدة.بعد ان نذرت نفسها لخدمة والدتها في سنين مرضها وشللها. وكانت لاتسلم من ضرب وإهانة اخوها كلما حاولت منعه من سرقة شيء.حتي أواني الطهو سرقها.طفح الكيل.وحاول والده إصلاح الاعوجاج.ذهب به الي مصحة للعلاج دون رغبة حقيقية من الابن.ليقضي في المصحة قرابة الشهرين استدان فيهما الوالد من أجل استكمال العلاج.ويوم خروجه فرح والده بعد ان رآه زاءد الوزن ومتورد الوجه.واحتضنه باكيا. لكنه عاد للتعاطي في نفس اليوم بعدما حصل من والده علي بعض المال لشراء ملابس جديدة.عاد أشد ضراوة
.وفي هذه الليلة والتي نحن بصددها اعيته كل الحيل وسدت كل منافذ المال في وجهه.حتي عاهرة القرية التي كان يقود عليها تركت القرية بلاعودة.ولااحد يعلم مكانها.نهض من فوق الحصير.وتمدد فوق الفراش.الالم لايطاق. جلده.لحمه.عظامه.راسه.انفه يسيل. يرتشفه.ثم يعود السيلان.يحك راسه بشدة.لقد صعد بجرعاته الي حد ان التوقف يكون مميتا. سرق كل شيء.لم يعد باقيا في البيت مايسرقه.كان يفكر ويفكر من أين يحصل علي المال.. ؟ انتصف الليل وهو علي فراشه نصف ناءم. عقله يرغب في النوم وجسده يرفض.وعند تناول المخدر ونشاطه الزائد ينام جسده ولاينام عقله. ولايطرف له جفن في الليل ويتجرع عشرات الاكواب من الشاي ويشعل سيجارته من سابقتها. عشرات الأفكار والخطط ولكنها كلها تعود مزيلة بالفشل.يفكر ويفكر.ينهض ويدور كحيوان جريح في غرفته.وفجاة ومضت الفكرة في راسه.وسريعا ماكبرت وتربعت في عقله.راقت له الفكرة التي بددت ظلام نفسه وقلة حيلته.اخذت الفكرة بكل تلابيبه.انها الحل الامثل لجرعة اليوم وأيام كثيرة لاحقة. علي أطراف اصابعه تسلل لغرفة والده بأصابع مرتعشة التقط المفتاح المعلق خلف الباب.بخطي تدفعها الرغبة ويكبلها الخوف سار متعثرا. الوقت يقترب من أذان الفجر.عاد يجر اقدامه الي البيت.فقد غلبه الخوف.اشعل سيجارة وجلس القرفصاء يمتصها أمام البيت.هل ينتظر بزوغ النهار.لكن نفسه عافت الانتظار. بزوغ النهار لايعني الا مشاهدته وانكشاف أمره والليل ستار.ان مقصده يبتعد عن عمران القرية. بغيته هناك وسط الحقول المتاخمة للقرية.بعد الاذان والإقامة لم يعد هناك مجال للتردد.ولابد من إنقاذ الأمر. وبخطوات مقيدة بالرغبة واصل مسيرته حتي وصل الي مقصده.مازال ظلام الليل يقاوم ارتداء الثوب الرمادي. بيد مرتعشة عالج القفل النحاسي بالمفتاح. وامتدت يده للمقبض الحديدي لينفرج الباب الحديدي.المدخل بالكاد يتسع لدخول فرد. علي يديه ورجليه ولج لداخل المكان .صدم أنفه راءحة عطنة .اشبه برائحة الغرف الطينية المبللة والمغلقة منذ أمد. شعر برعدة في اوصاله وطقطقة في شعر راسه.فخرج حبوا في سرعة خاطفة.ووقف صدره يعلو ويهبط من تسارع أنفاسه. ولكن لامفر من إتمام الأمر فعاود الدخول بقليل من الثبات. وعلب ضوء الكشاف حدد هدفه الكائن بجوار الجدار.وكشف الغطاء القماشي المهلهل والذي تحول لونه من الأبيض الي خليط ما بين الأصفر والبنى الفاتح.وامتدت يده بالالة التي احضرها من أجل إنقاذ الأمر. وبسرعة وارتباك أتم الأمر. ليحبو مسرعا وفي يده ماتم سرقته ليخرج من المكان.وضربات قلبه تتلاحق من أجل ضخ دماء هاربة. ليقوم بغلق الباب والقفل.ليعود مسرعا الي البيت بخطوات تخشي الرؤية. ليضع المفتاح مكانه.ويبدل ملابسه استعدادا للذهاب الي المركز لبيع ماسرقه.
وعندما رأي اللون الفضي للنهار خرج من البيت قاصدا مرتجاه. ولكنه وجد المحل مغلقا. وسأل وكانت الإجابة لن يفتح أبوابه قبل التاسعة او العاشرة. فاخذ يتسكع في شوارع المركز .ثم عرج علي مقهي وجلس يحتسي كوبا من الشاي منتظرا فرار الوقت.ونهض ثم عاد.المحل مغلق. شرب كوبا اخر من الشاي وحجرين من المعسل.الساعة تقترب من العاشرة .زغرد قلبه فرحا برؤية المحل مفتوحا.دلف الي المحل متسولا من نفسه الثبات.واعطي صاحب المحل مامعه ورغبته في البيع.فنظر له الرجل بارتياب. وطلب منه ان يترك مامعه ويعود بعظ نصف ساعة لاستلام النقود.فما يريد بيعه في حاجة الي بعض التنظيف .فقد كان الأمر مكشوفا والسرقة واضحة في جسم الجريمة.ولم يكن أمامه سوي الانصياع لكلام الرجل والعودة بعد نصف ساعة.وعند عودته وجد ثلاثة رجال اشداء من الشرطة بملابس مدنية ليتم القبض عليه بتهمة نبش قبر وسرقة أسنان امه الذهبية
(تمت بحمد الله)