رحلة الفن والإبداع: “سفر بين الألوان” في أصيلة

المغرب | لينة المحفوظي، توبة بوق، جنات بنجيد، ريم العلمي

 

في صباح يوم السبت، 28 يونيو 2025، وعند الساعة الحادية عشرة، بدأ الأطفال بالتوافد على ساحة عبد الله كنون، الواقعة عند سفح جبل “برج القمرة” الشامخ، الذي يشهد على تاريخ أصيلة العريق. سجل الحاضرون أسماءهم تأكيدًا لحضورهم، وقد عبر الأطفال عن مشاعرهم المتضاربة كتابةً. رأت رؤى الشنتوف أن “سجلنا أسماءنا تحت شمس مشرقة لكنها لاهبة، وكأن المدينة تختبر صبرنا وشغفنا بالفن…”، بينما أضافت رؤيا موسى أو شقري: “بين كل جدار وجدار، كنت أشعر وكأن الزمن توقف ليحكي قصص من مروا من هنا..”.

انطلقنا كفيلق من الغزاة، مدججين بالأقلام والدفاتر، نبغي غنيمة من الفن والإبداع والجمال، نستقيها من جداريات تزين أزقة ودروب مدينتنا العتيقة، التي تجعل منها أكبر معرض مفتوح في العالم. إلا أن الصدمة كانت كبيرة، حيث عبرت لينة بلاوي عن ذلك قائلة: “غير أنني تفاجأت برؤية الجدران وهي بيضاء ناصعة، فاقدة الفن والإبداع الذي هو رمز المدينة العتيقة…”. في المقابل، استشرفت رسيل المحفوظي خيرًا، فكتبت: “وشاهدنا جدرانًا بيضاء تنتظر من يرسم عليها أشكالًا ويلونها بألوان زاهية…”.

في انتظار رسم الجداريات، توجهنا صوب قصر الريسوني، حيث للفنون صدى خاص. وصفت زينب كميلي لقاءنا بالفنانتين لبنى الأمين وسناء السرغيني قائلة: “من ثم دخلنا قصر الريسوني الذي قابلنا به فنانتين مبدعتين وبدأتا بتعريف الفن المختصتين بهما، فالأولى فن الطباعة، والثانية فن الكولاج…”. كما وصفت فاطمة الزهراء الشرادي جمال أعمال الفنانتين قائلة: “أثارت إعجابي لوحة من النحاس المطبوعة ألوانها المتناسقة وخطوطها المموجة… طارت بي أوراق لبنى الأمين في السماء الملونة، وسقطت على البحر مشكلة لوحة رائعة، وأشكال حيوانات برية وبحرية…”. وهكذا، اختتمنا جولتنا الأولى في رحاب الفن والإبداع.

الاثنين، 30 يونيو 2025

في صباح يوم الاثنين، 30 يونيو 2025، كان ملتقانا نحن، أطفال “مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل”، قرب برج القمرة عند الساعة الحادية عشرة صباحًا. انطلقنا في جولة أخرى بحماس متجدد، وأملنا في إيجاد الجدران متألقة بالألوان يكبر مع كل خطوة. عبرت هبة الريسولي عن هذا الأمل بقولها: “رغم هول الحرارة التي كانت تلفح وجهنا، إلا أنني كنت أراها طوقًا يدفعني بقوة نحو عالم ساحر: عالم الألوان…”.

كان أول لقاء لنا مع الفنان العالمي الإسباني. وكتبت فردوس افريكيلة في هذا الصدد: “لأول مرة دخلت ذلك الدرب الضيق في المدينة العتيقة، لا أعرف ما ينتظرني في نهايته، لكن شيئًا ما دعاني للدخول. كان الدرب هادئًا، كأن الزمن قد نسيه، لكن خطواتي كانت تسبقني بفضول، وفجأة على غير انتظار، ظهرت أمامنا جدارية ضخمة لخوسي لويس دي أنطونيو، الفنان الإسباني، كان ينتقل بين تفاصيل الألوان والخطوط… في تفاصيل الجدارية ظهرت ملامح أصيلة: بحرها، شرفاتها، أبوابها… الجدارية كانت بمثابة رسالة حب علنية من فنان أجنبي إلى مدينة تبنته بقلبها…”.

بعدها انتقلنا إلى الجدارية التالية، وقال محمد أمين الشريكي متغنيًا بجمالها: “ثم مررنا بزقاق ضيق لنجد الفنانة مريم بروحو، وهي واقفة على السلم، تمسك الفرشاة بعناية شديدة، كأنها تمسك قلبها. كانت جداريتها رائعة تعبر عن الثروة السمكية الموجودة في منطقتنا…”. توجهنا حينئذ إلى جدارية نبيل باهيا التي وصفتها مقولة طه الريسولي: “أما التحفة الثالثة، فكانت من إبداع الفنان التشكيلي نبيل باهيا، خريج مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. لوحته جسدت تنوع الإبداع، وتمازج الألوان فيها كان يجذب العين ويأسر القلب…”. وهكذا انتهت جولتنا، من جدارية إلى أخرى، ومن حلم إلى آخر أكثر تميزًا منه.

الثلاثاء، 1 يوليو 2025

في صباح يوم الثلاثاء، 1 يوليو 2025، وفي الساعة الحادية عشرة صباحًا، اجتمعنا كعادتنا، ثم بدأت جولتنا اليومية في المدينة القديمة. كانت أولى وجهاتنا جدارية الفنانة لمياء بلول، التي جمعت بين ممارستها للطب وعشقها للفن. عبرت فردوس الزين عن جمال عملها بقولها: “فكانت وجهتنا التالية مع الدكتورة لمياء بلول، وهي من مدينة الدار البيضاء، كان فنها يتحدث عن الألوان الفاتحة والإحساس الذي تحس به…”.

أما الجدارية التالية فكانت لفنان تشكيلي آخر، عرفنا بجداريته، وأمتعنا بحسه الفكاهي. وفي هذا السياق، قال سفيان العلمي: “فذهبنا إلى فنان آخر يسمى نعام شاودري من مدينة طنجة، فوجدناه يرسم المدينة القديمة، حيث يوجد رجل يدعى ‘موسيو أو طربوش’، وامرأة تدعى ‘مدام أو شابو’، وقط أصفر اللون يسمى بركاك، ورجل يستعمل التوابل مع الماء ويرسم بها على الخشب…”. من ثم، توجهنا نحو جدارية فنانة أجنبية أوروبية قدمت من بلادها لتتحفنا بفنها، ووصفتها جنة كريم بقولها: “من ليتوانيا جاءت أوشيرين، تحمل معها نفسًا غنية خاصة، اختارت أن ترسم وجهًا بشعر أزرق، وقميص برتقالي، لوحة غريبة وجريئة في ألوانها وتعابيرها…”. وهكذا انتهى يومنا هذا، وذاكرتنا تأبى دفنه في مقابر النسيان.

الأربعاء، 2 يوليو 2025

في صباح يوم الأربعاء، 2 يوليو 2025، التقينا على غير عادتنا في الساعة العاشرة صباحًا أمام برج القمرة، وطيف النوم لم يغادر أجفاننا. قلوبنا تحمل شيئًا من التذمر، وعقولنا يشغلها النوم. ها نحن أمام محاسن الأحرش، وعز الدين عقرين يلتحق بنا، ويقول عن ذلك: “وصلت عند محطة الانطلاق متأخرًا، لأجدهم عند محاسن الأحرش تشرح لهم عن جداريتها الغريبة، أنصاف وجوه، وأوجه تبدو وكأنها قطعة من وجه تمثال الحرية، مصبوغ بلون ذهبي، ومن هناك، أخذنا المعلومات…”.

ودعنا الأستاذة والفنانة التشكيلية آخر توديع، فصادفنا في طريقنا جدارية كانت متألقة قبل زمن قليل بفن عبد القادر العرج، لكنها الآن مجهولة تبدو عليها ملامح وجه، وفيه أشكال متداخلة ومتضاربة لا نعرف صاحبها، وظفت فيها تقنية التسليط الضوئي (داتا شو).

بعدها مررنا بالمؤطرة الأستاذة كوثر الشريكي رفقة الفنانات والفنانين الصغار، فتوجهت التلميذتان ريم العلمي ورؤيا موسى أو شقري لتطلبا منها إقامة حوار معنا، نحن أطفال “مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل”، لكنها مع الأسف استمهلتنا لتتفرغ لزوار قدموا من طنجة خصيصًا للقائها. في طريقنا نحو خالد الساعي، مررنا بجدارية نعام شاودري، التي كانت جنينًا في ذهنه، ثم خرجت وليدًا فوق الحجر، وصارت اليوم طفلًا يسير نحو الاكتمال.

حيتنا الدكتورة لمياء بلول بحرارة وبشاشة ومحبة فائقة، ثم تجاوزنا جدارية هي الأخرى اختار صاحبها أن يعتمد في إنجازها على تقنية التسليط الضوئي (داتا شو). قالت هبة الريسولي عن لقائنا بالفنان السوري: “أما المحطة الثانية، فكانت عند الفنان والخطاط خالد الساعي الذي كان لا يزال في يومه الأول من الإبداع، إذ لم تكتمل ملامح لوحته بعد، ومع ذلك، فقد بدت عليها جمالية خاصة، وتناسق ألوان غريب ومبهر. لم يكن قد أدرج الخط العربي في عمله بعد، ومع هذا كانت اللوحة تنبئ بجمال منتظر. حظيت بفرصة الحديث معه عن الشعر وأنواعه، من الشعر العمودي، إلى الشعر الحر، وقد سررت كثيرًا بهذا الحديث الثقافي المفيد…”. من ثم، انتقلنا إلى الفنان العمراني الحدادي، صاحب أكبر معرض فني في العالم، والعكس صحيح. هو من بقي وفيًا للونين الأزرق والأبيض النابضين بالحياة، والمعبرين عن الصفاء والنقاء، اللذين سقى بهما جداريته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى