د . مصطفى كمال بدوي يكتب : الخديعة المقدّسة

في زمنٍ يُلبَس فيه الباطل ثوب الحكمة، ويُزيَّن فيه الظلم بشعارات العدالة، تضيع الحقوق بين سطورٍ صامتة، وتُدفن الكرامات في دهاليز المصلحة.
هنا، لا نتحدث عن أشخاص، بل عن مواقف… لا نوجّه الكلام لأسماء، بل نُطلقه في الهواء، علّ من يعنيه الأمر يصحو من غفلته، أو يفيق من سُكر السيطرة حين تتوشح بثوب الفضيلة.
في زوايا الكلام تُخفى الحكايات، وفي طيّات السكوت تُختصر الآهات…
فما كل صامت راضٍ، وما كل ساكت غافل، وما كل ساكت عاجز… بل ربما اختار الصبر حين خان التعبير، وسَكَن الوجع حين ضاق به المصير.
كثيرة هي الشعارات… “الأمانة”، “العدالة”، “الضمير”…
لكنها على ألسنة البعض كلمات، وعلى أفعالهم نكران وتقصير.
يُتقنون المديح حين يأخذون، ويُجيدون التبرير حين يُسألون، فإذا جاء وقت العطاء… ضاع الوفاء، وغاب الحياء. تُرفع الوعود كالأعلام، وتُطوى الحقوق كالأوهام.. فمن بذل وجد، ومن صبر ندم، ومن سأل عن حقه اتُّهِم.
تُقدَّم النصائح من فوق الكراسي، وتُؤكل الحقوق تحت الطاولة، بين بندٍ مهمل، وختمٍ بلا ملامح.
لا يُلام من يشتكي، بل يُلام من أخذ وسكت، من ظَلم وتجمّل، من غرس الخذلان في أرض البذل، ثم أنكر الزرع يوم الحصاد.
الوجوه تُبتسم، لكن القلوب تعلم ، والأقلام تكتب، لكن السماء أصدق ، ومن سلب اليوم ما ليس له، لن يمنع غدًا ما كُتب عليه.
توقيع : من دفتر الصامتين، إلى من ظنّ أن السكوت ضعف.
وما هو إلا غضبٌ يرتدي عباءة العقل ، وينتظر ساعة الفصل