شريف الريس يكتب: إيران وإسرائيل.. مَن انتصر ومَن خُسِر؟

لطالما اتسمت العلاقات بين إيران وإسرائيل بالتوتر الشديد، وتطورت من عداء ضمني إلى صراع بالوكالة، حتى وصلت إلى مواجهة عسكرية مباشرة في يونيو 2025. هذه الحرب، التي أطلق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “حرب الأيام الاثني عشر”، هزت المنطقة بأسرها وأثارت مخاوف دولية واسعة النطاق حول الاستقرار النووي. ومع توقيع وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية، يبرز السؤال الملح: من فاز في هذه الحرب؟ والإجابة، كما هو الحال في معظم الصراعات المعقدة، ليست واضحة ومباشرة.

من منظور إسرائيل، يمكن القول إنها حققت أهدافها الأولية إلى حد كبير. فالهجوم الإسرائيلي المفاجئ في 13 يونيو 2025 استهدف منشآت نووية وعسكرية رئيسية في إيران، مما أدى إلى تدمير أو إلحاق أضرار بالغة بالعديد منها.

كما أعلنت إسرائيل أنها تمكنت من القضاء على عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين البارزين في إيران، وتدمير دفاعاتها الجوية. وقد صرحت الحكومة الإسرائيلية أنها “حققت جميع أهداف عملية الأسد الصاعد”، مشيرة إلى تدمير المواقع النووية والصاروخية الإيرانية الرئيسية، وتصفية كبار القادة العسكريين، وتحقيق التفوق الجوي فوق طهران. ويشير الخبراء إلى أن الضربات الإسرائيلية، التي استمرت لأيام، نجحت في شل جزء كبير من برنامج إيران النووي وتقليل قدراتها الصاروخية. علاوة على ذلك، يُعتقد أن الهجوم كشف عن مدى التغلغل الإسرائيلي في أجهزة الأمن الإيرانية، حيث يُزعم أن الموساد تمكن من تجنيد عدد كبير من المنشقين الذين ساهموا في إلحاق أضرار كبيرة خلال الحرب. من هذا المنطلق، حققت إسرائيل هدفها المعلن بتحييد التهديد النووي الإيراني المباشر، على الأقل في المدى القصير، وأظهرت قدرتها على شن ضربات عميقة داخل الأراضي الإيرانية.

أما بالنسبة لإيران، فكانت تداعيات الحرب وخيمة. فقد تعرضت ترساناتها النووية والصاروخية والطائرات بدون طيار لأضرار بالغة، وقُتل الكثير من قياداتها العسكرية العليا. كما فشلت دفاعاتها الجوية في حماية البلاد من الضربات الإسرائيلية العميقة، مما ألحق ضرراً كبيراً بسمعة الجمهورية الإسلامية كضامن للأمن القومي. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن قدرة إيران على شن ضربات انتقامية فعالة ضد إسرائيل قد تدهورت بشكل كبير. ورغم أن إيران ردت بإطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل، إلا أن معظمها تم اعتراضه بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية.

وقد اعتبرت هذه الردود “ضعيفة” في فعاليتها مقارنة بحجم الهجوم الإسرائيلي.

كما أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، وخاصة تلك التي استهدفتها الولايات المتحدة في اليوم التاسع من الحرب، تُعد نكسة كبيرة لبرنامجها النووي.

ومع ذلك، لا يمكن إعلان فوز “مطلق” لأي طرف. فإسرائيل، رغم نجاحها العسكري، واجهت وابلًا من الهجمات الصاروخية على مراكزها السكانية الرئيسية، مما أجبر مئات الآلاف من الإسرائيليين على اللجوء إلى الملاجئ. وعلى الرغم من فعالية أنظمة الدفاع الجوي، إلا أن بعض الصواريخ تمكنت من المرور، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في إسرائيل.

كما أن الحرب أدت إلى تصعيد غير مسبوق في التوترات الإقليمية، وزادت من خطر نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط. ولم تحل الحرب التحديات الأساسية التي تكمن وراء العداء بين البلدين، مثل المخاطر النووية وعدم الاستقرار الإقليمي وانعدام الثقة المتبادل.

من جانبها، على الرغم من الأضرار الجسيمة، لم يتم القضاء على إيران بشكل كامل. فما زالت تمتلك قدرات عسكرية، وإن كانت متضررة، ولا يزال نفوذها الإقليمي، وإن كان ضعيفاً، قائماً من خلال وكلائها. كما أن الحرب قد تؤدي إلى تعزيز الإرادة الإيرانية لمواصلة برنامجها النووي سراً، وربما بشكل أكثر سرية وتحدياً.

في الختام، يمكن القول إن إسرائيل حققت “نصراً تكتيكياً” في هذه الحرب، حيث نجحت في إلحاق أضرار جسيمة بالقدرات العسكرية والنووية الإيرانية وتحييد بعض التهديدات الفورية. ولكن هذا النصر التكتيكي لا يعني “فوزاً استراتيجياً” حاسماً أو نهاية للعداء الطويل الأمد. فالصراع بين إيران وإسرائيل هو صراع معقد ومتعدد الأوجه، يتجاوز المواجهات العسكرية المباشرة.

إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه هو مجرد هدنة مؤقتة، تاركةً ورائها منطقة على شفا الهاوية، مع بقاء التحديات الأساسية دون حل. ولن يتضح المنتصر الحقيقي، إن وُجد، إلا على المدى الطويل، من خلال التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية لهذه الحرب على كل من إيران وإسرائيل وعلى المنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى