مني النمر تكتب: كيف نحيي العشر الأوائل من ذي الحجة حقاً …؟!!

ليست كل الأيام سواء ، ولا كل اللحظات عادية … هناك أوقات اختارها الله من بين سائر الأيام ، رفع فيها الأجر ، وفتح أبواب الرحمة ، ووعد فيها بالخير لمن أحسن واستثمرها بقلبه قبل عمله ، ومن هذه الأيام ، العشر الأوائل من شهر ذي الحجة …

قال تعالى:
“وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ”

وقد فسر جمهور العلماء أن الليالي العشر المقصودة في هذه الآية ، هي العشر الأوائل من ذي الحجة ، لما لها من فضل عظيم ، فهي الأيام التي تجتمع فيها أمهات العبادات من صلاة وصيام وحج وصدقة وذكر ، وهي الأيام التي قال عنها النبي ﷺ:
“ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام”
قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: “ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء.” (رواه البخاري)

لكن …
كيف نحيي هذه الأيام …؟
كيف لا تمر كغيرها …؟

ربما اعتدنا أن تكون العبادات محصورة في ترديد الأذكار ، أو أداء الصلوات ، أو صيام يوم عرفه ، ثم نعود للحياة كما كانت …
لكن العشر الأوائل من ذي الحجة ليست مجرد طقوس ، إنها دعوة للحياة بشكل مختلف …
حياة تليق بقلب يريد أن يقترب من الله بحق …

ليس القرب من الله فقط بسجدة ولا دعاء يقال على اللسان …
بل بالتعامل برحمة ، وصدق ، وصبر في لحظات الغضب ، وتسامح في مواضع الانكسار …

فلنبدأ من أبسط الأشياء …
من النية …

من فكرة أننا داخلين على عشرة أيام يحب فيها الله العمل الصالح ، فنجعل من كل فعل صغير نية كبيرة …
نجعل نيتنا أن نسعد من حولنا ، أن نبتعد عن إيذاء أحد ، أن نقلل من ذنوب ألسنتنا ، أن نكثر من الدعاء للناس بدلاً من الشكوى منهم …

فليس فقط الذكر بالتسبيح والتهليل ، بل في ذكر الله في تصرفاتنا …
بأن نغض البصر ، أن نحفظ اللسان ، أن نحسن الظن ، أن نبتسم لمن نعرفه ومن لا نعرفه …
أن نرد السلام ، أن نصل الأرحام ، أن نرفع سماعة الهاتف ونسأل عن والد أو صديق أو قريب .
أن نعيد السلام إلى بيوت قاطعها الخصام ، وأن نكسر جدار البعد بيننا وبين من نحب …

بأن نصلي الصلاة في وقتها …
و الصيام إن استطعنا…
بألا يقرأ القرآن بعيون سريعة ، بل بقلوب واعية ، فآية واحدة تحدث تغييراً كبيراً إن تمعناها ، فتضيء داخلك أكثر مما يفعل مصباح في غرفة معتمة …

نأتي للصدقة …
قد تكون مالاً ، وقد تكون كلمة ، وقد تكون حتى دفعة بسيطة لشخص يعاني ، أو قبلة على رأس أم ، أو حضن حقيقي لصديق لم يعد يجد من يحتضنه …
وأعظم هذه الأيام: يوم عرفة …
ذلك اليوم الذي يباهي الله فيه بعباده أهل السماء ، ويعتق فيه رقاباً من النار ، ويغفر فيه الذنوب .
يوم يستجاب فيه الدعاء ، وترتفع فيه الأرواح ، وتتبدل فيه الأحوال …

فمن الآن ، جهز قلبك لهذا اليوم ، لا تؤجله .
فهو ليس فقط فرصة ، بل قد يكون نقطة التحول التي يحتاجها قلبك من زمان …
أجعله موعداً مع التوبة ، مع حديث خاص بينك وبين الله ، حديث لا يقطعه صوت ولا يشوشه شيء ، حديث مليء بكل ما تخفيه في قلبك …

ولأننا نعيش في زمن صعب ، مليء بالتوتر والخوف والحروب والغلاء …
لا تجعل هذه الأيام تمر كما تمر غيرها ، بل اجعلها ملاذك ، اجعلها علاجك ، اجعلها حبل النجاة في عالم لم يعد يرحم …
وحتى إن لم تستطع أن تكثر من الطاعات ، فعشها بقلبك …
اجعلها مختلفة ، حاول أن تكون فيها أبسط وأحن وأقرب …
و أبتعد عن الكذب والغيبة والنميمة ، ولا تحمل في قلبك ضغينة …
واعلم ، أن الله لا ينظر فقط إلى كم العمل ، بل إلى صدقه …

وفي الختام …
لو لم تستطع أن تنقذ العالم ، فأنقذ قلبك …
و لو لم تستطع أن تصلح الناس ، فأصلح ما بينك وبين ربك …
ولو لم يكن في يدك شيء ، فليكن في قلبك نية …
ولعل نيتك تلك ، تغير لك كل شيء …

واذكر أن: “ما عند الله خير وأبقى” …
كل عام وانتم بخير …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى