هل انتشار البكتيريا “الفيلقية” بين اللاجئين في بريطانيا يدعو للقلق؟
كتبت/ فاطمة محمد
لندن- وجدت الحكومة البريطانية نفسها تحت وابل من الانتقادات والتحذيرات من خطورة الإجراءات التي تتخذها من أجل إيواء اللاجئين في أماكن جديدة ومن بينها العوامة “ستوكهولم”، التي استقبلت أول فوج من اللاجئين، قبل أن تتحول لبؤرة لانتشار بكتيريا “الليجيونيلا” أو “الفيلقية” التي تنتقل عبر رذاذ المياه وتصيب الجهاز التنفسي.
وقامت الحكومة البريطانية بإخلاء العوامة من اللاجئين بعد تأكد إصابة عدد منهم بهذه البكتيريا، إلا أنها تواجه انتقادات بالمماطلة في التعامل مع خبر انتشار هذه البكتيريا، خصوصا أن أعراضها وإصابتها للجهاز التنفسي جعلت الكثيرين يحبسون أنفاسهم وهم يتذكرون فيروس كورونا.
وتحاول الحكومة البريطانية طمأنة الرأي العام بالتقليل من خطورة هذه البكتيريا، إلا أن جهات أخرى تؤكد أن المماطلة في علاج أي مصاب بهذه البكتيريا قد تؤدي إلى وفاته.
الجاليه، سألت خبراء بريطانيين في الفيروسات والجراثيم، حول هذه البكتيريا وطرق انتشارها وخطورتها على الصحة العامة وهل هي شبيهة بفيروس كورونا، وقادرة على فتح قوس وباء جديد سواء في بريطانيا أو خارجها؟
يستهدف الرئة
تقول الدكتورة ميس عبسي المسؤولة في مختبر أبحاث الأدوية والفيروسات في الجامعة الملكية البريطانية للجزيرة نت إن بكتيريا “الليجيونيلا” ممكن أن تتسبب في التهاب رئوي حاد، أو قد تؤدي إلى حمى صعبة شبيهة بحمى الإنفلوانزا.
وحسب الدكتورة ميس، فإن هذه البكتيريا تنتشر في مصادر المياه مثل البحيرات والأنهار والمسابح والمباني الكبيرة التي تستخدم وحدات التبريد، وتوجد أيضا في الأنظمة المائية من صنابير المياه ومجاريها، وكلها أماكن تتكاثر فيها هذه البكتيريا.
أما عن طريقة انتقال هذه البكتيريا فهي تنتقل عبر رذاذ الماء المحتوي على هذه البكتيريا، لكن تبقى النقطة الأهم أن هذه البكتيريا “لا تنتقل من إنسان إلى إنسان إلا في حالات نادرة جدا”.
وتسبب هذه البكتيريا مرضا يطلق عليه “داء الفيلقيات” (legionnaires disease)، ويكون هذا المرض خطيرا ومهددا للحياة بالنسبة لكبار السن من 55 سنة فما فوق، وكذلك الأشخاص الذين لديهم مشاكل في الجهاز المناعي أو الذين يتناولون أدوية تثبط جهاز المناعة، والمصابون بداء السكري وأمراض القلب أو الفشل الكلوي، والأشخاص المدخنين، كل هؤلاء يعتبرون من الفئات الأكثر هشاشة أمام هذه البكتيريا، “حيث تؤدي الإصابة البكتيريا إلى فشل رئوي يفضي إلى الموت”.
وقدمت الدكتورة ميس إحصائيات حول نسبة الوفيات بسبب هذه البكتيريا، “ذلك أن واحدا من بين كل 10 مصابين بهذا الداء قد يتعرضون للوفاة”.
هل من خطر؟
يرى الدكتور بلال زعتر خبير الأدوية والفيروسات في مختبرات “كامبريدج” لتصنيع الأدوية في بريطانيا، أن السبب الرئيسي لانتشار البكتيريا في العوامة “ستوكهولم” وانتشاره بين اللاجئين “قد يكون راجعا لعدم جودة توزيع الهواء أو في خزانات المياه في هذه العوامة”.
وقال الدكتور بلال في حديثه مع الجاليه إن هذه البكتيريا ليست بالجديدة وقد تم اكتشافها في ستينيات القرن الماضي، “وتعتبر قاتلة بالنسبة لكبار السن لكن أعراضها تكون أقل حدة بالنسبة للشباب”، مضيفا أنها سريعة الانتشار “لأنها تنتشر في الهواء عن طريق رذاذ المياه”.
وعن أوجه الشبه مع فيروس كورونا، فقد اعتبر الدكتور بلال أن “الشبه هو إصابة الجهاز التنفسي وإحداث التهابات في الرئة”، لكن الفارق الأساسي “يكمن في أن هذه البكتيريا لا تنتقل من إنسان إلى إنسان”.
وعن احتمال انتشار العدوى بهذه البكتيريا على نطاق واسع، فقد أكد الدكتور بلال أنها “لن تشكل خطرا على الأمن الصحي في بريطانيا خصوصا وأن بريطانيا ليست دولة تستعمل المكيفات كثيرا”، إضافة لسهولة “احتواء هذه البكتيريا من خلال تطهير المكان الذي انتشرت فيها”.
وفي تقدير الدكتور بلال فإن الجدل الحاصل حاليا حول هذه البكتيريا “له أهداف سياسية أكثر منها صحية وتدخل في نطاق الصراع بين حزبي العمال والمحافظين”.
أهمية الكشف المبكر
يميز الدكتور محمد الخاني -طبيب استشاري في الجراثيم والفيروسات في مستشفى شرق لندن- في حديثه مع الجاليه، بين أمرين مهمين في تحديد خطورة هذه البكتيريا، الأول هو سرعة الكشف والثاني هو الوضعية الصحية للمريض، “ذلك أن هذه البكتيريا تتطلب ما بين يومين إلى 10 أيام كفترة حضانة، وفي حال ما تم الكشف المبكر عنها فإنه يتم معالجتها من خلال المضادات الحيوية”، ويتم الكشف “من خلال أخد عينة من بلغم المصاب والكشف عنها”.
أما العامل الثاني فهو الوضع الصحي للمصاب “فإن كان المصاب يعاني من مشاكل مناعية فهذا يعني أنه قد يتعرض لالتهاب رئوي حاد”.
وعن الأعراض فهي “ارتفاع درجة الحرارة والقشعريرة والسعال وقد يظهر مع البلغم بعض آثار الدم”، مضيفا أن بريطانيا سبق أن شهدت انتشارا لهذه البكتيريا في أكثر من مكان “لكن احتواء انتقال العدوى هو أمر سهل مقارنة بفيروس كورونا”.
ويتفق الدكتور محمد مع الدكتور بلال في أن الجدل المثار حول هذه البكتيريا هو “جدل سياسي بامتياز، لأن القائمين على الشأن الصحي في بريطانيا يعلمون أن الأمر لا يتعلق بخطر داهم على الصحة العامة في بريطانيا”.