دلال عبد العزيز.. أيقونة فنية تصالحت مع العمر وفازت بلقب “صاحبة الواجب”
كتبت / مريم محمد
ملامح أرستقراطية حملتها فتاة جاءت من الريف المصري إلى القاهرة تحلم بدخول عالم التمثيل، نجحت الفتاة التي تنتمي إلى عائلة عريقة في تحقيق حلمها، ليس في التمثيل فحسب، بل في دخول قلوب المشاهدين بوصفها واحدة من أفراد العائلة، هكذا توغلت دلال عبد العزيز في عالم الفن، لم تستغل ملامحها الرقيقة في تقديم أدوار الفتاة المدللة، أو الفاتنة التي لا يهزمها العمر، بل تصالحت مع السنوات وقدمت أعمالا ثرية جعلتها صاحبة تأثير فني وإنساني.
ولم يشكل رحيل دلال عبد العزيز في مثل هذا اليوم قبل عامين صدمة للوسط الفني لفقدانه فنانة تتمتع بموهبة فطرية كبيرة فقط، بل أيضا لرحيل إنسانة اشتهرت بين زملائها بالتواضع وحبها للعطاء والخير.
دراما البدايات والفقد
حياة دلال عبد العزيز في طفولتها كانت مرحلة التأسيس لحياتها الفنية والإنسانية، فالرحيل المبكر لشقيقتها الكبرى (وهى في عمر 15 عاما) أدخلها في دوامة من الحزن الشديد ومشاعر الفقد التي عاشتها وهى لا تزال صغيرة، فقد أحبت التمثيل وتعلمته في سن مبكرة من خلال شقيقتها التي كانت تمارسه هواية في المدرسة وكانت تصطحب معها دلال التي كانت تحفظ الأدوار عن ظهر قلب.
فراق دلال عن شقيقتها في عمر صغير لم يكن الأخير في حياتها، فرغبتها في احتراف التمثيل جعلتها تقرر الاستقرار في العاصمة القاهرة وترك محل ميلادها بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، وجاءت إلى القاهرة بحثا عن فرصة عمل في مجال الفن، حتى اكتشفها المخرج نور الدمرداش ومنحها فرصة الظهور في مسلسل “بنت الأيام” عام 1977، وبجانب الفن حرصت دلال عبد العزيز على استكمال تعليمها، فالتحقت بكلية الزراعة بعد إتمامها المرحلة الثانوية، واستمرت في الدراسة في أكثر من تخصص وأكثر من كلية، حبًا في المعرفة والتعلم.
سنوات الانطلاق
صاحَب الانطلاق نحو عالم الفن، بتقديمها لشخصية الفتاة المرحة الخفيفة الظل والرومانسية، قصة حب عاشتها في بداية مشوارها مع الفنان سمير غانم، الذي اعترفت في أكثر من لقاء لها بأنها أحبته في البداية وتمنت الزواج منه رغم أن فارق العمر بينهما 20 عاما، وأثمرت الزيجة عن ابنتيهما دنيا وإيمي، كما شهدت أيضا تعاونا فنيا في أكثر من عمل. فكان الفنان الراحل يراها فنانة جيدة وملتزمة على المسرح تظل صامتة ولا ترتجل لتفسد الحوار للممثل الذي يقف أمامها، كما كانت تلقائية الأداء وتجيد تقديم الكوميديا بخفة دم وتتألق في باقي الأدوار.
وكان أول عمل جمع بينهما مسرحية “أهلا يا دكتور” وهى من بطولة فرقة ثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، ومن إخراج حسن عبد السلام، وتشاركا أيضا في أفلام “يا رب ولد”، و”حادي بادي”، و”رحلة المشاغبين”، ومسرحية “فارس وبني خيبان”، و”أخويا هايص وأنا لايص”.
الأمومة بين الشاشة والواقع
تغيرت دلال عبد العزيز على الشاشة كما هي الحال في الواقع بعد أن أصبحت أما لابنتين، وفي تلك الفترة كان تأثير نشأتها الريفية واضحا، فكانت تضع الأولوية للأمومة في حياتها قبل النجومية، وهو ما أخر حصولها على البطولات المطلقة مثل باقي فنانات جيلها، ولكن أمومتها انعكست على الشاشة بتألقها في تقديم دور الأم بإتقان فقدمت الأم القاسية في “للعدالة وجوه كثيرة” والأم الحنون القوية في “حديث الصباح والمساء”، وقدمت الروح الأصيلة للأم المصرية في “سابع جار” الذي قربها من كثير من النساء.
وفي الواقع، كانت دلال أما تقليدية، وهى المسؤولة بالكامل عن ابنتيها دنيا وإيمي في كل التفاصيل والاختيارات، كما حرصت على أن تعيش أسرتها حياة هادئة بعيدة عن الإشاعات والأزمات الفنية، فلم يذكر أن تورطت دلال عبد العزيز وأفراد أسرتها في تصريحات مثيرة للجدل أو مشكلات مع زملائها في الوسط الفني.
صاحبة الواجب والخير
“صاحبة الواجب” هو لقب دلال عبد العزيز التي كانت لا تتأخر عن تقديم واجب العزاء في رحيل أي فنان، فشكلت مع الفنانتين رجاء الجداوي وميرفت أمين ثلاثيا، وكن لا ينفصلن في العزاء.
وفي لقاء لها مع برنامج “معكم منى الشاذلي” قبل رحيلها بفترة، تحدثت دلال عن أنها تعلمت من والدتها ألا تؤخر واجب العزاء، وفي كل مرة تقرأ خبر وفاة تتمنى أن تقف إلى جوار عائلة المتوفى، وهو ما ربت عليه أيضا ابنتيها.
وإلى جانب العزاء، كانت دلال أيضا تحرص على المشاركة في الأعمال الخيرية، وهو ما أكدته الفنانة نهال عنبر في تصريحات صحفية بأن دلال كانت لا تتأخر في مساعدة غير المقتدرين، كما أنها قامت بتأسيس مجموعة لختم المصحف كاملا يوميا.
وكانت دلال لا تترك سبحتها الخاصة، التي ظلت تمسكها لسنوات طويلة للقيام بالوِرد الخاص بها وهى في الطريق أو في الاستراحة من التصوير.
الأيام الأخيرة ودراما النهاية
الشعبية الكبيرة التي حققتها دلال عبد العزيز فنيا، والحياة الأسرية الهادئة بين زوجها الفنان سمير غانم وابنتيها دنيا وإيمي، اختتمت بنهاية درامية بعد إصابة الزوجين بكورونا عام 2021، وتم حجزهما في مستشفى العزل بسبب التدهور الشديد في حالتهما الصحية، ورحل سمير غانم قبلها بشهرين، وأخفت أسرتها الخبر عنها طوال فترة مرضها، لترحل في السابع من أغسطس/آب 2021. وشكل رحيلها صدمة كبيرة في الوسط الفني ولابنتيها اللتين واجهتا تجربة فقدان الوالدين في فترة زمنية قصيرة.